باب فى تدريج اللغة
  الأخفّ على الأثقل، فاستمرّ على ذلك وتدرّج منه إلى أن أقرّ الياء بحالها مع الفتح؛ إذ كان قلبها مع الكسر أيضا ليس بحقيقة موجب. قال: وكما أن القلب مع الكسر لم يكن عن صحّة عمل، وإنما هو لتخفيف مؤثر، فكذلك أقلب أيضا مع الفتح وإن لم يكن موجبا، غير أن الكسر هنا على ضعفه أدعى إلى القلب من الفتح، فلذلك جعلنا ذاك تدرّجا عنه إليه ولم نسوّ بينهما فيه. فاعرف ذلك.
  وقريب من ذلك قول الشاعر:
  ولقد رأيتك بالقوادم مرّة ... وعلىّ من سدف العشىّ رياح(١)
  قياسه رواح؛ لأنه فعال من راح يروح، لكنه لمّا كثر قلب هذه الواو فى تصريف هذه الكلمة ياء - نحو ريح ورياح، ومريح ومستريح - وكانت الياء أيضا عليهم أخفّ، وإليهم أحبّ، تدرّجوا من ذلك إلى أن قلبوها فى رياح، وإن زالت الكسرة التى كانت قلبتها فى تلك الأماكن.
  ومن ذلك قلبهم الذال دالا فى (ادّكر) وما تصرّف منه؛ نحو يدّكر، ومدّكر، وادّكار، وغير ذلك: تدرّجوا من هذا إلى غيره بأن قلبوها دالا فى غير بناء افتعل، فقال ابن مقبل.
  * من بعض ما يعترى قلبى من الدكر(٢) *
  ومن ذلك قولهم: الطنّة - بالطاء - فى الظنة، وذلك فى اعتيادهم اطّنّ، ومطّن، واطّنان، كما جاءت الدكر على الأكثر.
  ومن ذلك حذفهم الفاء - على القياس - من ضعة وقحة؛ كما حذفت من عدة وزنة؛ ثم إنهم عدلوا بها عن فعلة إلى فعلة، فأقرّوا الحذف بحاله، وإن زالت الكسرة التى كانت موجبة له، فقالوا: الضعة، والقحة، فتدرّجوا بالضعة،
(١) البيت للأسدى فى أساس البلاغة (روح)، وبلا نسبة فى لسان العرب (روح)، (سدف)، وتاج العروس (روح)، (سدف). و «رباح» بكسر الراء فسره ثعلب فقال: معناه وقت. القوادم: موضع.
(٢) عجز بيت لتميم بن مقبل فى ديوانه ص ٨١، وسر صناعة الإعراب ١/ ١٨٨، والمقرب ٢/ ١٦٧، والممتع فى التصريف ١/ ٣٥٩، والمنصف ٣/ ١٤٠، ويروى صدره:
* يا ليت لى سلوة تشفى النفوس بها*