الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تدريج اللغة

صفحة 352 - الجزء 1

  وذلك قولك: ما قرعت حلقة باب دار أحد قطّ؛ فسرى ما فى (أحد) من العموم والشياع إلى «الحلقة». ولو قلت: قرعت حلقة باب دار أحد، أو نحو ذلك لم يجز.

  ومن التدريج فى اللغة: إجراؤهم الهمزة المنقلبة عن حرفى العلّة عينا مجرى الهمزة الأصليّة. وذلك نحو قولهم فى تحقير قائم، وبائع: قويئم، وبويئع؛ فألحقوا الهمزة المنقلبة بالهمزة الأصليّة فى سائل، وثائر؛ من سأل وثأر، إذا قلت: سويئل، وثويئر. وليست كذلك اللام إذا انقلبت همزة عن أحد الحرفين؛ نحو كساء، وقضاء؛ ألا تراك تقول فى التحقير: كسىّ، وقضىّ؛ فتردّ حرف العلّة وتحذفه لاجتماع الياءات. وليست كذلك الهمزة الأصليّة؛ ألا تراك تقول فى تحقير سلاء وخلاء⁣(⁣١) بإقرار الهمزة لكونها أصلية، وذلك سليّئ وخليّئ. وتقول أيضا فى تكسير كساء وقضاء بترك الهمزة البتّة؛ وذلك قولك: أكسية، وأقضية. وتقول فى سلاء، وخلاء: أسلئة وأخلئة؛ فاعرف ذلك.

  لكنك لو بنيت من قائم وبائع شيئا مرتجلا أعدت الحرفين البتّة. وذلك كأن تبنى منهما مثل جعفر، فتقول: قومم وبيعع. ولم تقل: قأمم، ولا بأعع؛ لأنك إنما تبنى من أصل المثال لا من حروفه المغيّرة؛ ألا تراك لو بنيت من قيل وديمة مثال (فعل) لقلت: دوم وقول؛ لا غير.

  فإن قلت: ولم لم تقرر الهمزة فى قائم وبائع فيما تبنيه منهما، كما أقررتها فى تحقيرهما؟

  قيل: البناء من الشئ أن تعمد لأصوله، فتصوغ منها وتطرح زوائده فلا تحفل بها. وليس كذلك التحقير. وذلك أن صورة المحقّر معك، ومعنى التكبير والتحقير فى أن كل واحد منهما واحد واحد، وإنما بينهما أن أحدهما كبير والأخر صغير، فأما الإفراد والتوحيد فيهما كليهما فلا نظر فيه. قال أبو على | فى صحّة الواو فى نحو أسيود، وجديول: مما أعان على ذلك وسوغه أنه فى معنى


(١) السلاء: السمن. والخلاء فى الإبل كالحران فى الدوابّ، خلأت الناقة تخلأ خلأ وخلاء، بالكسر والمد: وخلوء، وهى خلوء: بركت، أو حرنت من غير علة. وانظر اللسان (خلأ).