الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تركب اللغات

صفحة 372 - الجزء 1

باب فى تركب اللغات

  اعلم أن هذا موضع قد دعا أقواما ضعف نظرهم، وخفّت إلى تلقّى ظاهر هذه اللغة أفهامهم، أن جمعوا أشياء على وجه الشذوذ عندهم، وادّعوا أنها موضوعة فى أصل اللغة على ما سمعوه بأخرة من أصحابها، وأنسوا ما كان ينبغى أن يذكروه، وأضاعوا ما كان واجبا أن يحفظوه. ألا تراهم كيف ذكروا فى الشذوذ ما جاء على فعل يفعل؛ نحو نعم ينعم، ودمت تدوم، ومتّ تموت. وقالوا أيضا فيما جاء من فعل يفعل، وليس عينه ولا لامه حرفا حلقيّا؛ نحو قلى يقلى، وسلا يسلى، وجبى يجبى، وركن يركن، وقنط يقنط.

  ومما عدّوه شاذا ما ذكروه من فعل فهو فاعل؛ نحو طهر فهو طاهر، وشعر فهو شاعر، وحمض فهو حامض، وعقرت المرأة فهى عاقر؛ ولذلك نظائر كثيرة.

  واعلم أن أكثر ذلك وعامّته إنما هو لغات تداخلت فتركّبت، على ما قدّمناه فى الباب الذى هذا الباب يليه. هكذا ينبغى أن يعتقد، وهو أشبه بحكمة العرب.

  وذلك أنه قد دلّت الدلالة على وجوب مخالفة صيغة الماضى لصيغة المضارع؛ إذ الغرض فى صيغ هذه المثل إنما هو لإفادة الأزمنة، فجعل لكل زمان مثال مخالف لصاحبه، وكلّما ازداد الخلاف كانت فى ذلك قوّة الدلالة على الزمان.

  فمن ذلك أن جعلوا بإزاء حركة فاء الماضى سكون فاء المضارع، وخالفوا بين عينيهما، فقالوا: ضرب يضرب، وقتل يقتل، وعلم يعلم.

  فإن قلت: فقد قالوا: دحرج يدحرج؛ فحرّكوا فاء المضارع والماضى جميعا، وسكّنوا عينيهما أيضا؛ قيل: لمّا فعلوا ذلك فى الثلاثيّ الذى هو أكثر استعمالا، وأعمّ تصرّفا، وهو كالأصل للرباعىّ، لم يبالوا ما فوق ذلك ممّا جاوز الثلاثة.

  وكذلك أيضا قالوا: تقطع يتقطّع، وتقاعس يتقاعس، وتدهور يتدهور، ونحو ذلك؛ لأنهم أحكموا الأصل الأوّل الذى هو الثلاثيّ، فقلّ حفلهم بما وراءه؛ كما أنهم لمّا أحكموا أمر المذكور فى التثنية، فصاغوها على ألفها، لم يحفلوا بما عرض فى المؤنّث من اعتراض علم التأنيث بين الاسم وبين ما هو مصوغ عليه من