الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تركب اللغات

صفحة 373 - الجزء 1

  علمها؛ نحو قائمتان وقاعدتان.

  فإن قلت: فقد نجد فى الثلاثيّ ما تكون حركة عينيه فى الماضى والمضارع سواء، وهو باب فعل؛ نحو كرم يكرم، وظرف يظرف.

  قيل: على كل حال فاؤه فى المضارع ساكنة، وأمّا موافقة حركة عينيه فلأنه ضرب قائم فى الثلاثيّ برأسه؛ ألا تراه غير متعدّ البتّة، وأكثر باب فعل وفعل متعدّ. فلمّا جاء هذا مخالفا لهما - وهما أقوى وأكثر منه - خولف بينهما وبينه، فوفّق بين حركتى عينيه، وخولف بين حركتى عينيهما. وإذا ثبت وجوب خلاف صيغة الماضى صيغة المضارع وجب أن يكون ما جاء من نحو سلا يسلى، وقلى يقلى (ونحو ذلك)، ممّا التقت

  فيه حركتا عينيه منظورا فى أمره، ومحكوما عليه بواجبه. فنقول: إنهم قد قالوا: قليت الرجل وقليته. فمن قال: قليته فإنه يقول أقليه، ومن قال قليته قال: أقلاه. وكذلك من قال: سلوته قال: أسلوه؛ ومن قال سليته قال: أسلاه، ثم تلاقى أصحاب اللغتين فسمع هذا لغة هذا، وهذا لغة هذا، فأخذ كل واحد منهما من صاحبه ما ضمّه إلى لغته، فتركّبت هناك لغة ثالثة؛ كأنّ من يقول سلا أخذ مضارع من يقول سلى، فصار فى لغته سلا يسلى.

  فإن قلت: فكان يجب على هذا أن يأخذ من يقول سلى مضارع من يقول سلا، فيجئ من هذا أن يقال: سلى يسلو.

  قيل: منع من ذلك أن الفعل إذا أزيل ماضيه عن أصله، سرى ذلك فى مضارعه، وإذا اعتلّ مضارعه سرى ذلك فى ماضيه؛ إذ كانت هذه المثل تجرى عندهم مجرى المثال الواحد؛ ألا تراهم لمّا أعلّوا «شقى» أعلّوا أيضا مضارعه، فقالوا يشقيان: ولمّا أعلّوا «يغرى» أعلّوا أيضا أغريت؛ ولمّا أعلّوا «قام» أعلّوا أيضا يقوم. فلذلك لم يقولوا: سليت تسلو، فيعلّوا الماضى ويصحّحوا المضارع.

  فإن قيل: فقد قالوا: محوت تمحى، وبأوت تبأى، وسعيت تسعى، ونأيت تنأى؛ فصحّحوا الماضى وأعلّوا المستقبل.

  قيل: إعلال الحرفين إلى الألف لا يخرجهما كل الإخراج عن أصلهما؛ ألا ترى أن الألف حرف ينصرف إليه عن الياء والواو جميعا، فليس للألف خصوص