باب فى امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس
  فرواه ابن الأعرابىّ: والأمس، والأمس جرّا ونصبا.
  فمن جرّه فعلى الباب فيه، وجعل اللام مع الجرّ زائدة، حتى كأنه قال: وإنى وقفت اليوم وأمس، كما أن اللام فى قوله تعالى: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}[البقرة: ٧١] زائدة، واللام المعرّفة له مرادة فيه، وهو نائب عنها، ومتضمّن لها، فلذلك كسر فقال: والأمس، فهذه اللام فيه زائدة والمعرّفة له مرادة فيه ومحذوفة منه. يدلّ على ذلك بناؤه على الكسر وهو فى موضع نصب، كما يكون مبنيّا إذا لم تظهر إلى لفظه. وأمّا من قال: والأمس فنصب فإنه لم يضمّنه معنى اللام فيبنيه، ولكنه عرّفه بها كما عرّف اليوم بها، فليست هذه اللام فى قول من قال: والأمس فنصب هى تلك اللام التى (هى فى قول من قال) والأمس فجرّ. تلك لا تظهر أبدا؛ لأنها فى تلك اللغة لم تستعمل مظهرة؛ ألا ترى أن من ينصب غير من يجرّ، فلكل منهما لغته، وقياسها على ما نطق به منها، لا تداخل أختها، ولا نسبة فى ذلك بينها وبينها، كما أن اللام فى قولهم (الآن حدّ الزمانين) غير اللام فى قوله سبحانه: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ} لأن الآن من قولهم (الآن حدّ الزمانين) بمنزلة «الرجل أفضل من المرأة، والملك أفضل من الإنسان» أى هذا الجنس أفضل من هذا الجنس، فكذلك (الآن) إذا رفعه جعله جنس هذا المستعمل فى قولك «كنت الآن عنده، وسمعت الآن كلامه» فمعنى هذا: كنت فى هذا الوقت الحاضر بعضه وقد تصرّمت أجزاء منه. فهذا معنى غير المعنى فى قولهم الآن حدّ الزمانين، فاعرفه.
  ونظير ذلك أن الرجل من نحو قولهم: نعم الرجل زيد غير الرجل المضمر فى (نعم) إذا قلت: نعم رجلا زيد؛ لأن المضمر على شريطة التفسير لا يظهر، ولا يستعمل ملفوظا به، ولذلك قال سيبويه: هذا باب ما لا يعمل فى المعروف إلا مضمرا، أى إذا فسّر بالنكرة فى نحو نعم رجلا زيد، فإنه لا يظهر أبدا.
  وإذا كان كذلك علمت زيادة الزاد فى قول جرير:
  تزوّد مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا(١)
(١) البيت من الوافر، وهو لجرير فى خزانة الأدب ٩/ ٣٩٤ - ٣٩٩، والدرر ٥/ ٢١٠، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٠٩، وشرح شواهد المغنى ص ٥٧، وشرح المفصل ٧/ ١٣٢، ولسان - العرب (زود)، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٠، وبلا نسبة فى شرح الأشمونى ١/ ٢٦٧، وشرح شواهد المغنى ص ٨٦٢، وشرح ابن عقيل ص ٤٥٦، ومغنى اللبيب ص ٤٦٢، والمقتضب ٢/ ١٥٠.