الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس

صفحة 388 - الجزء 1

  فيما صحّت عينه. فإن أحللت الكسرة فيها نفسها فكان ذلك يكون - لو تكلّف - أثقل من باب يوعد ويوجد لو خرج على الصحّة. فاعرف ذلك فرقا لطيفا بين الموضعين.

  ومما يجيزه القياس - غير أن لم يرد به الاستعمال - خبر (العمر، والأيمن)، من قولهم: لعمرك لأقومنّ، ولا يمن الله لأنطلقنّ. فهذان مبتدءان محذوفا الخبرين، وأصلهما - لو خرج خبراهما - لعمرك ما أقسم به لأقومن، ولا يمن الله ما أحلف به لأنطلقن، فحذف الخبران، وصار طول الكلام بجواب القسم عوضا من الخبر.

  ومن ذلك قولهم: لا أدرى أىّ الجراد عاره⁣(⁣١)، أى ذهب به، ولا يكادون ينطقون بمضارعه، والقياس مقتض له، وبعضهم يقول: يعوره؛ وكأنهم إنما لم يكادوا يستعملون مضارع هذا الفعل لمّا كان مثلا جاريا فى الأمر المتقضّى الفائت، وإذا كان كذلك فلا وجه لذكر المضارع هنا، لأنه ليس بمتقضّ.

  ومن ذلك امتناعهم من استعمال استحوذ معتلا وإن كان القياس داعيا إلى ذلك ومؤذنا به، لكن عارض فيه إجماعهم على إخراجه مصحّحا؛ ليكون دليلا على أصول ما غير من نحوه؛ كاستقام واستعان.

  ومن ذلك امتناعهم من إظهار الحرف الذى تعرّف به (أمس) حتى اضطرّوا - لذلك - إلى بنائه لتضمّنه معناه، فلو أظهروا ذلك الحرف فقالوا مضى الأمس بما فيه لما كان خلفا⁣(⁣٢) ولا خطأ.

  فأمّا قوله:

  وإنى وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتى كادت الشمس تغرب⁣(⁣٣)


(١) عاره يعوره، أى أخذه وذهب به. وما أدرى أى الجراد عاره، أى أىّ الناس أخذه، لا يستعمل إلا فى الجحد. اللسان (عور).

(٢) هذا خلف، بإسكان اللام، يقال: للرديء، والخلف الردئ من القول اللسان (خلف).

(٣) البيت من الطويل، وهو لنصيب فى ديوانه ص ٩، والأغانى ٩/ ٤٥، ولسان العرب (أين)، (أمس)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١/ ٢٠٤، والإنصاف ص ٣٢٠، والدرر ٣/ ١٠٩، وشرح شذور الذهب ص ١٣١، والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٤٣، ولسان العرب (لوم)، والمحتسب ٢/ ١٩٠، وهمع الهوامع ١/ ٢٠٩.