الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى هذه اللغة: أفى وقت واحد وضعت

صفحة 418 - الجزء 1

  انتصب (سوف العيوف) على المصدر المحذوف الزيادة، أى مساوفة العيوف.

  وأنا أرى أن جميع تصرف (ن ع م) إنما هو من قولنا فى الجواب: نعم. من ذلك النّعمة والنّعمة، والنعيم والتنعيم، ونعمت به بالا، وتنعّم القوم، والنّعمى، والنعماء، وأنعمت به له؛ وكذلك البقيّة. وذلك أن (نعم) أشرف الجوابين وأسرّهما للنفس، وأجلبهما للحمد، و (لا) بضدّها؛ ألا ترى إلى قوله:

  وإذا قلت نعم فاصبر لها ... بنجاح الوعد؛ إنّ الخلف ذم⁣(⁣١)

  وقال الآخر - أنشدناه أبو على -:

  أبى جوده لا البخل واستعجلت به ... نعم من فتى لا يمنع الجوع قاتله⁣(⁣٢)

  يروى بنصب (البخل) وجرّه. فمن نصبه فعلى ضربين: أحدهما أن يكون بدلا من (لا)؛ لأن (لا) موضوعة للبخل، فكأنه قال: أبى جوده البخل؛ والآخر أن تكون (لا) زائدة، حتى كأنه قال أبى جوده البخل، لا على البدل، لكن على زيادة (لا). والوجه هو الأوّل؛ لأنه قد ذكر بعدها نعم، ونعم لا تزاد، فكذلك ينبغى أن تكون (لا) هاهنا غير زائدة والوجه الآخر على الزيادة صحيح أيضا؛ لجرى ذكر (لا) فى مقابلة نعم. وإذا جاز لـ (لا) أن تعمل وهى زائدة فيما أنشده أبو الحسن من قوله:

  لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إلىّ لامت ذوو أحسابها عمرا⁣(⁣٣)

  كان الاكتفاء بلفظها من غير عمل له أولى بالجواز.

  ومن جرّه فقال (لا البخل) فبإضافة (لا) إليه؛ لأن (لا) كما تكون للبخل قد


(١) البيت من الرمل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم)، وتاج العروس (نعم).

(٢) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (نعم)، وتاج العروس (لا). والذى فى مغنى اللبيب: لا يمنع الجود قاتله، وقوله لا يمنع الجود، فاعل يمنع عائد على الممدوح: والجود مفعول ثان، وقاتله مفعول أول، ويحتمل أن الجود فاعل يمنع، أى جوده لا يحرم قاتله أى فإذا أراد إنسان قتله فجوده لا يحرم ذلك الشخص. انظر حاشية الدسوقى على مغنى اللبيب.

(٣) البيت من البسيط، وهو للفرزدق فى ديوانه ١/ ٢٣٠، وخزانة الأدب ٤/ ٣٠، ٣٢، ٥٠، والدرر ٢/ ٢٢٦، وشرح التصريح ١/ ٢٣٧، والمقاصد النحوية ٢/ ٣٢٢، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٢/ ٣، ولسان العرب (غطف)، وهمع الهوامع ١/ ١٤٧.