باب فى هذه اللغة: أفى وقت واحد وضعت
  ولفظها. وذلك نحو قولهم فى الخبر: أخوت عشرة، وأبوت عشرة، وأنشدنا أبو على عن الرياشىّ:
  وبشرة يأبونا كأنّ خباءنا ... جناح سمانى فى السماء تطير(١)
  وقالوا أيضا: يديت(٢) إليه يدا وأيديت، ودميت تدمى دمى، وغدوت عليه، وفهت بالشئ وتفوّهت به. فقد استعملت الأفعال من هذه الكلم، كما استعملت فيما أوردته.
  قيل: وهذا أيضا ساقط عنا؛ وذلك أنا إنما قلنا: إن هذه المثل من الأفعال تجرى مجرى المثال الواحد؛ لقيام بعضها قيام بعض، واشتراكها فى اللفظ. وليس كذلك أب وأخ ونحوهما؛ ألا ترى أنّ أب ليس بمثال من أمثلة الفعل ولا باسم فاعل، ولا مصدر، ولا مفعول، فيكون رجوع المحذوف منه فى أبوت كأنه موجود فى أب، وإنما أب من أبوت كمدقّ ومكحلة من دققت وكحلت. وكذلك القول فى أخ، ويد، ودم، وبقيّة تلك الأسماء. فهذا فرق.
  فقد علمت - بما قدّمناه وهضبنا(٣) فيه - قوّة تداخل الأصول الثلاثة الاسم والفعل والحرف وتمازجها، وتقدّم بعضها على بعض تارة، وتأخّرها عنه أخرى.
  فلهذا ذهب أبو على | إلى أن هذه اللغة وقعت طبقة واحدة، كالرّقم تضعه على المرقوم، والميسم يباشر به صفحة الموسوم، لا يحكم لشيء منه بتقدّم فى الزمان، وإن اختلفت بما فيه من الصنعة القوّة والضعف فى الأحوال. وقد كثر اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف؛ نحو هاهيت، وحاحيت، وعاعيت، وجأجأت، وحأحأت، وسأسأت، وشأشأت(٤). وهذا كثير فى الزّجر.
  وقد كانت حضرتنى وقتا فيه نشطة فكتبت تفسير كثير من هذه الحروف فى كتاب ثابت فى الزّجر؛ فاطلبها فى جملة ما أثبتّه عن نفسى فى هذا وغيره.
(١) البيت من الطويل، وسر صناعة الإعراب ٢/ ٦٩٣، ولسان العرب (بشر).
(٢) يديت إليه يدا وأيديت: أسديت إليه نعمة.
(٣) يقال هضب فى الحديث وأهضب: أفاض فيه وأكثر.
(٤) ها هيت: أى زجرت الإبل قائلا: ها، ها. وكذلك حاحيت. عاعيت: يقال: عاعى بالغنم زجرها. جأجأت: زجرت الإبل قائلا: جؤجؤ. حأحأت: زجر للكبش. سأسأت: زجر للحمار، وكذلك شأشأت.