الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى اللغة المأخوذة قياسا

صفحة 423 - الجزء 1

  والآحاد والتثانى والجموع، والتكابير، والتصاغير، ولما أقنعهم أن يقولوا: إذا كان الماضى كذا وجب أن يكون مضارعه كذا، واسم فاعله كذا، واسم مفعوله كذا، واسم مكانه كذا، واسم زمانه كذا، ولا قالوا: إذا كان المكبّر كذا فتصغيره كذا، وإذا كان الواحد كذا فتكسيره كذا، دون أن يستوفوا كل شيء (من ذلك)، فيوردوه لفظا منصوصا معيّنا لا مقيسا، ولا مستنبطا، كغيره من اللغة التى لا تؤخذ قياسا، ولا تنبيها؛ نحو دار، وباب، وبستان، وحجر، وضبع، وثعلب، وخزز؛ لكن القوم بحكمتهم وزنوا كلام العرب فوجدوه على ضربين: أحدهما ما لا بدّ من تقبله كهيئته، لا بوصيّة فيه، ولا تنبيه عليه؛ نحو حجر، ودار، وما تقدّم؛ ومنه ما وجدوه يتدارك بالقياس، وتخفّ الكلفة فى علمه على الناس، فقنّنوه وفصّلوه إذ قدروا على تداركه من هذا الوجه القريب، المغنى عن المذهب الحزن البعيد.

  وعلى ذلك قدّم الناس فى أوّل المقصور والممدود ما يتدارك بالقياس والأمارات، ثم أتلوه ما لا بدّ له من السماع والروايات، فقالوا: المقصور من حاله كذا؛ (ومن صفته كذا؛ والممدود من أمره كذا، ومن سببه كذا، وقالوا فى المذكر والمؤنث: علامات التأنيث كذا وأوصافها كذا)، ثم لمّا أنجزوا ذلك قالوا: ومن المؤنث الذى روى رواية كذا وكذا. فهذا من الوضوح على ما لا خفاء به.

  فلمّا رأى القوم كثيرا من اللغة مقيسا منقادا وسموه بمواسمه، وغنوا بذلك عن الإطالة والإسهاب فيما ينوب عنه الاختصار والإيجاز. ثم لمّا تجاوزوا ذلك إلى ما لا بدّ من إيراده ونصّ ألفاظه التزموا (وألزموا) كلفته؛ إذ لم يجدوا منها بدّا، ولا عنها منصرفا. ومعاذ الله أن ندّعى أن جميع اللغة تستدرك بالأدلّة قياسا، لكن ما أمكن ذلك فيه قلنا به ونبّهنا عليه؛ كما فعله من قبلنا ممن نحن له متّبعون، وعلى مثله وأوضاعه حاذون، فأمّا هجنة الطبع وكدورة الفكر، وخمود النفس، وخيس⁣(⁣١) الخاطر، وضيق المضطرب، فنحمد الله على أن حماناه، ونسأله سبحانه أن يبارك لنا فيما آتاناه، ويستعملنا به فيما يدنى منه ويوجب الزلفة لديه بمنّه.

  فهذا مذهب العلماء بلغة العرب وما ينبغى أن يعمل عليه ويؤخذ به، فأمضه على ما أريناه وحدّدناه، غير هائب له ولا مرتاب به. وهو كثير، وفيما جئنا به منه كاف.


(١) خيس الخاطر: كساده ووقوفه.