باب فى تداخل الأصول الثلاثية
باب فى تداخل الأصول الثلاثية
  والرباعية والخماسية
  ولنبدأ من ذلك بذكر الثلاثيّ منفردا بنفسه، ثم مداخلا لما فوقه.
  اعلم أن الثلاثى على ضربين: أحدهما ما يصفو ذوقه، ويسقط عنك التشكّك فى حروف أصله؛ كضرب، وقتل، وما تصرّف منهما. فهذا ما لا يرتاب به فى جميع تصرفه؛ نحو ضارب، ويضرب، ومضروب، وقاتل، وقتال، واقتتل القوم، واقتل، ونحو ذلك. فما كان هكذا مجرّدا واضح الحال من الأصول، فإنه يحمى نفسه، وينفى الظنّة عنه.
  والآخر أن تجد الثلاثيّ على أصلين متقاربين والمعنى واحد، فههنا يتداخلان، ويوهم كل واحد منهما كثيرا من الناس أنه من أصل صاحبه، وهو فى الحقيقة من أصل غيره؛ وذلك كقولهم: شيء رخو ورخودّ(١). فهما - كما ترى - شديدا التداخل لفظا، وكذلك هما معنى. وإنما تركيب (رخو) من ر خ و، وتركيب (رخود) من ر خ د، وواو (رخودّ) زائدة، وهو فعولّ كعلودّ(٢)، وعسودّ(٣)، والفاء والعين من (رخو) و (رخودّ) متفقتان، لكن لاماهما مختلفتان. فلو قال لك قائل: كيف تحقّر (رخودّا) على حذف الزيادة، لقلت: رخيد، بحذف الواو وإحدى الدالين. ولو قال لك: كيف تبنى من رخو مثل جعفر، لقلت (رخوى) ومن (رخودّ): رخدد؛ أفلا ترى إلى ازدحام اللفظين مع تماسّ المعنيين؛ وذلك أن الرخو الضعيف، والرخودّ المتثنىّ، والتثني عائد إلى معنى الضعف، فلما كانا كذلك أوقعا الشكّ لمن ضعف نظره، وقلّ من هذا الأمر ذات يده.
  ومن ذلك قولهم: رجل ضيّاط، وضيطار(٤). فقد ترى تشابه الحروف، والمعنى
(١) الرخودّ اللين. وهو من الرجال: اللين العظام الرخوها.
(٢) رجل علودّ: غليظ الرقبة.
(٣) رجل عسودّ: قوى شديد.
(٤) الضياط: العظيم الجنبين، والضيطار يقال لهذا، وللئيم.