الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين

صفحة 459 - الجزء 1

باب فى اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين

  فى الحروف والحركات والسكون

  غرضنا من هذا الباب ليس ما جاء به الناس فى كتبهم؛ نحو وجدت فى الحزن، ووجدت الضالّة، ووجدت فى الغضب، ووجدت أى علمت؛ كقولك: وجدت الله غالبا، ولا كما جاء عنهم من نحو (الصدى): الطائر يخرج من رأس المقتول إذا لم يدرك بثأره، و (الصدى): العطش، و (الصدى): ما يعارض الصوت فى الأوعية الخالية، و (الصدى) من قولهم: فلان صدى مال؛ أى حسن الرعية له، والقيام عليه. ولا (هل) بمعنى الاستفهام، وبمعنى قد، و (أم) للاستفهام وبمعنى بل، ونحو ذلك؛ فإن هذا الضرب من الكلام - وإن كان أحد الأقسام الثلاثة عندنا التى أوّلها اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، (ويليه) اختلاف اللفظين واتّفاق المعنيين - كثير فى كتب العلماء، وقد تناهبته أقوالهم، وأحاطت بحقيقته أغراضهم. وإنما غرضنا هنا ما وراءه من القول على هذا النحو فى الحروف، والحركات، والسكون، المصوغة فى أنفس الكلم من ذلك الحروف.

  قد يتّفق (لفظ الحروف ويختلف معناها) وذلك نحو قولهم: درع دلاص، وأدرع دلاص، وناقة هجان، ونوق هجان⁣(⁣١). فالألف فى دلاص فى الواحد بمنزلة الألف فى ناقة كناز، وامرأة ضناك، و (الألف فى دلاص) فى الجمع بمنزلة ألف ظراف، وشراف. وذلك لأن العرب كسّرت فعالا على فعال، كما كسرت فعيلا على فعال؛ نحو كريم، وكرام، ولئيم ولئام. وعذرها فى ذلك أن فعيلا أخت فعال، ألا ترى أن كلّ واحد منهما ثلاثىّ الأصل، وثالثه حرف لين، وقد اعتقبا أيضا على المعنى الواحد، نحو كليب وكلاب، وعبيد وعباد، وطسيس وطساس؛ قال الشاعر:

  * قرع يد اللعّابة الطسيسا⁣(⁣٢) *


(١) هجان: أى بيضاء كريمة.

(٢) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ٧١، ولسان العرب (طسس)، وجمهرة اللغة ص ١٣٣. - قرع يد اللعابة الطسيسا: أى أن النوم يميل الرءوس ويلعب بها، كما يلعب اللاعب بالطسيس.