باب فى ترافع الأحكام
  مجد عليك، مقوّ لنظرك.
  ومن (فعلة) و (أفعل) رقبة وأرقب، وناقة وأينق.
  ومن ذلك أنا قد رأينا تاء التأنيث تعاقب ياء المدّ، وذلك نحو فرازين وفرازنة(١)، وجحاجيح وجحاجحة، وزناديق وزنادقة. فلمّا نسبوا إلى نحو حنيفة، وبجيلة، تصوّروا ذلك الحديث أيضا، فترافعت التاء والياء أحكامهما، فصارت حنيفة وبجيلة، إلى أنهما كأنهما حنف وبجل، فجريا لذلك مجرى شقر ونمر؛ فكما تقول فيهما: شقرىّ ونمرىّ، كذلك قلت أيضا فى حنيفة: حنفىّ، وفى بجيلة: بجلىّ. يؤكّد ذلك عندك أيضا أنه إذا لم تكن هناك تاء كان القياس إقرار الياء؛ كقولهم فى حنيف: حنيفىّ، وفى سعيد: سعيدىّ. فأمّا ثقفىّ فشاذّ عنده، ومشبّه بحنفىّ. فهذا طريق آخر من الحجاج فى باب حنفىّ وبجلىّ، مضاف إلى ما يحتجّ به أصحابنا فى حذف تلك الياء.
  وممّا يدلّك على مشابهة حرف المدّ قبل الطرف لتاء التأنيث قولهم: [رجل] صنع اليد، وامرأة صناع اليد؛ فأغنت الألف قبل الطرف مغنى التاء التى كانت تجب فى صنعة، لو جاءت على حكم نظيرها؛ نحو حسن وحسنة، وبطل وبطلة. وهذا أيضا حسن فى بابه.
  ويزيد عندك فى وضوح ذلك أنهم قالوا فى الإضافة إلى اليمن، والشأم، وتهامة: يمان، وشآم، وتهام؛ فجعلوا الألف قبل الطرف عوضا من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها. وهذا يدلّك أن الشيئين إذا اكتنفا الشئ من ناحيتيه، تقاربت حالاهما (وحالاه) بهما. ولأجله وبسببه ما ذهب قوم إلى أن حركة الحرف تحدث قبله، وآخرون إلى أنها تحدث بعده، وآخرون إلى أنها تحدث معه. قال أبو علىّ: وذلك لغموض الأمر وشدّة القرب. نعم، وربما احتجّ بهذا لحسن تقدّم الدلالة وتأخّرها، هذا فى موضع (وهذا فى موضع). وذلك لإحاطتهما جميعا بالمعنى المدلول عليه.
  فمما تأخر دليله قولهم: ضربنى وضربت زيدا؛ ألا ترى أن المفسّر للضمير
(١) واحده فرزان، وهو من لعب الشطرنج.