باب فى ترافع الأحكام
  المتقدّم جاء من بعده. وضدّه زيد ضربته؛ لأن المفسّر للضمير متقدّم عليه. وقريب من هذا أيضا إتباع الثانى للأوّل؛ نحو شدّ، وفرّ، وضنّ، وعكسه قولك: اقتل، استضعف، ضممت الأوّل للآخر.
  فإن قلت: فإن فى تهامة ألفا، فلم ذهبت إلى أن الألف فى تهام عوض من إحدى الياءين للإضافة؟ قيل: قال الخليل فى هذا: إنهم كأنهم نسبوه إلى فعل، أو فعل، وكأنهم فكّوا صيغة تهامة فأصاروها إلى تهم أو تهم، ثم أضافوا إليه فقالوا: تهام.
  وإنما ميّل الخليل بين فعل وفعل، ولم يقطع بأحدهما؛ لأنه قد جاء هذا العمل فى هذين المثالين جميعا، وهما الشأم واليمن. وهذا الترجيم الذى أشرف عليه الخليل ظنا، قد جاء به السماع نصّا؛ أنشدنا أبو علىّ، قال أنشد أحمد بن يحيى:
  أرّقنى الليلة برق بالتهم ... يا لك برقا من يشقه لا ينم(١)
  فانظر إلى قوّة تصوّر الخليل إلى أن هجم به الظنّ على اليقين؛ فهو المعنىّ بقوله:
  الألمعىّ الذى يظنّ بك الظنّ ... كأن قد رأى وقد سمعا(٢)
  وإذا كان ما قدّمناه من أن العرب لا تكسّر فعلة على أفعال مذهبا لها فواجب أن يكون (أفلاء) من قوله:
  مثلها يخرج النصيحة للقو ... م فلاة من دونها أفلاء(٣)
  تكسير (فلا) الذى هو جمع فلاة، لا جمعا لفلاة؛ إذ كانت فعلة. وعلى هذا فينبغى أيضا أن يكون قوله:
(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (تهم)، وتاج العروس (تهم).
(٢) البيت من المنسرح، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ١/ ٢٧٣، وكتاب الجيم ٣/ ٢١٤، والكامل ص ١٤٠٠، وذيل أمالى القالى ص ٣٤، ومعاهد التنصيص ١/ ١٢٨، ولأوس أو لبشر بن أبى خازم فى تاج العروس (لمع)، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ٥/ ٢١٢.
(٣) البيت من الخفيف، وهو للحارث بن حلزة فى ديوانه ص ٣٥، وشرح القصائد السبع ص ٥٠١، وشرح القصائد العشر ص ٤١٥، وشرح المعلقات السبع ص ٢٣٢، ولسان العرب (فلا).