الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى

صفحة 477 - الجزء 1

  إذا تقوم يضوع المسك أصورة ... والعنبر الورد من أردانها شمل⁣(⁣١)

  فقيل له: (صوار) لأنه (فعال) من صاره يصوره إذا عطفه وثناه؛ قال الله سبحانه {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}⁣[البقرة: ٢٦٠] وإنما قيل له ذلك لأنه يجذب حاسّة من يشمّه إليه، وليس من خبائث الأرواح فيعرض عنه، وينحرف إلى شقّ غيره؛ ألا ترى إلى قوله:

  ولو أنّ ركبا يمّموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدلّ بك الركب

  وكذا تجد أيضا معنى المسك. وذلك أنه (فعل) من أمسكت الشئ، كأنه لطيب رائحته يمسك الحاسّة عليه، ولا يعدل بها صاحبها عنه. ومنه عندى قولهم للجلد: (المسك) هو فعل من هذا الموضع، ألا ترى أنه يمسك ما تحته من جسم الإنسان وغيره من الحيوان. ولو لا الجلد لم يتماسك ما فى الجسم: من اللحم، والشحم والدم وبقيّة الأمشاج وغيرها.

  فقولهم إذا: مسك يلاقى معناه معنى الصّوار، وإن كانا من أصلين مختلفين، وبناءين متباينين: أحدهما (م س ك) والآخر (ص ور) كما أن الخليقة من (خ ل ق) والسجيّة من (س ج و) والطبيعة من (ط ب ع) والنحيتة من (ن ح ت) والغريزة من (غ ر ز) والسليقة من (س ل ق) والضريبة من (ض ر ب) والسجيحة من (س ج ح) والسرجوجة والسرجيجة من (س ر ج) والنجار من (ن ج ر) والمرن من (م ر ن). فالأصول مختلفة، والأمثلة متعادية⁣(⁣٢)، والمعانى مع ذينك متلاقية.

  ومن ذلك قولهم: صبىّ وصبيّة، وطفل وطفلة، وغلام وجارية؛ وكله للّين والانجذاب وترك الشدّة والاعتياص. وذلك أن صبيا من صبوت إلى الشئ إذا ملت إليه ولم تستعصم دونه. وكذلك الطّفل: هو من لفظ طفّلت الشمس للغروب


(١) البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٠٥، ولسان العرب (صور)، والمخصص ١٧/ ٢٥، وتاج العروس (بلد)، (صور)، وبلا نسبة فى كتاب العين ٧/ ١٥١. أردانها: الأكمام للثوب.

(٢) متعادية: أى متباينة من قولهم: تعادى ما بين القوم: تباعد، أو من قولهم تعادى المكان: تفاوت ولم يستو.