الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الادغام الأصغر

صفحة 497 - الجزء 1

  وأما اذّكر فكاسّمع، واصّبر.

  ومن ذلك أن تقع السين قبل الحرف المستعلى فتقرب منه بقلبها صادا على ما هو مبين فى موضعه من باب الادغام. وذلك كقولهم فى سقت: صقت، وفى السوق: الصوق، وفى سبقت: صبقت، وفى سملق⁣(⁣١) وسويق: صملق وصويق، وفى سالغ⁣(⁣٢) وساخط: صالغ وصاخط، وفى سقر: صقر، وفى مساليخ: مصاليخ. ومن ذلك قولهم ستّ أصلها سدس، فقرّبوا السين من الدال بأن قلبوها تاء، فصارت سدت فهذا تقريب لغير ادّغام، ثم إنهم فيما بعد أبدلوا الدال تاء لقربها منها؛ إرادة للإدغام الآن، فقالوا ستّ. فالتغيير الأوّل للتقريب من غير إدغام، والتغيير الثانى مقصود به الإدغام.

  ومن ذلك تقريب الصوت من الصوت مع حروف الحلق؛ نحو شعير، وبعير، ورغيف. وسمعت الشجرىّ غير مرّة يقول: زئير الأسد، يريد الزئير. وحكى أبو زيد عنهم: الجنّة لمن خاف وعيد الله. فأمّا مغيرة فليس إتباعه لأجل حرف الحلق؛ إنما هو من باب منتن، ومن قولهم أنا أجوؤك وأنبؤك. والقرفصاء، والسلطان، وهو منحدر من الجبل، وحكى سيبويه أيضا منتن؛ ففيه إذا ثلاث لغات: منتن، وهو الأصل، ثم يليه منتن، وأقلها منتن. فأمّا قول من قال: إنّ منتن من قولهم أنتن، ومنتن من قولهم نتن الشئ فإن ذلك لكنة منه.

  ومن ذلك أيضا قولهم (فعل يفعل) مما عينه أو لامه حرف حلقىّ، نحو سأل يسأل، وقرأ يقرأ، وسعر يسعر، وقرع يقرع، وسحل يسحل، وسبح يسبح. وذلك أنهم ضارعوا بفتحة العين فى المضارع جنس حرف الحلق لمّا كان موضعا منه مخرج الألف التى منها الفتحة.

  ومن التقريب قوله الحمد لله، والحمد لله.

  ومنه تقريب الحرف من الحرف؛ نحو قولهم فى نحو مصدر: مزدر، وفى التصدير: التزدير. وعليه قول العرب فى المثل (لم يحرم من فزد له) أصله فصد له، ثم أسكنت العين، على قولهم فى ضرب: ضرب، وقوله:


(١) السملق: هو الأرض المستوية أو القفر لا نبات فيه.

(٢) سلغت الشاة: أى طلع نابها.