باب فى الادغام الأصغر
  * ونفخوا فى مدائنهم فطاروا(١) *
  فصار تقديره: فصد له، فلمّا سكنت الصاد فضعفت به وجاورت الصاد - وهى مهموسة - الدال - وهى مجهورة - قرّبت منها بأن أشمّت شيئا من لفظ الزاى المقاربة للدال بالجهر.
  ونحو من ذلك قولهم: مررت بمذعوز وابن بور: فهذا نحو من قيل وغيض لفظا، وإن اختلفا طريقا.
  ومن ذلك إضعاف الحركة لتقرب بذلك من السكون؛ نحو حيى، وأحيا، وأعيا، فهو - وإن كان مخفى - (بوزنه محركا)، وشاهد ذاك قبول وزن الشعر له قبوله للمتحرّك ألبتة. وذلك قوله:
  * أان زم أجمال وفارق جيرة(٢) *
  فهذا بزنته محقّقا فى قولك: أأن زمّ أجمال. فأمّا روم الحركة فهى وإن كانت من هذه فإنما هى كالإهابة بالساكن نحو الحركة، وهو لذلك ضرب من المضارعة.
  وأخفى منها الإشمام؛ لأنه للعين لا للأذن. وقد دعاهم إيثار قرب الصوت إلى أن أخلّوا بالإعراب، فقال بعضهم:
  * وقال اضرب الساقين إمّك هابل(٣) *
  وهذا نحو [من] الحمد لله، والحمد لله.
  وجميع ما هذه حاله مما قرّب فيه الصوت من الصوت جار مجرى الإدغام بما ذكرناه من التقريب. وإنما احتطنا له بهذه السّمة التى هى الإدغام الصغير؛ لأن فى هذا إيذانا بأن التقريب شامل للموضعين، وأنه هو المراد المبغىّ فى كلتا الجهتين، فاعرف ذلك.
(١) عجز بيت من الوافر، وهو للقطامى فى ديوانه ص ١٤٣، ولسان العرب (نفخ)، والمنصف ١/ ٢٤، وبلا نسبة فى الإنصاف ١/ ١٢٥.
(٢) صدر بيت من الطويل، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص ١٧٠، وشرح المفصل ٩/ ١٣٣، ولسان العرب (روم)، والمنصف ٢/ ١٩٢.
(٣) الشاهد فيه كسر الميم فى إمك إتباعا لكسر الهمزة. والإمّ لغة فى الأمّ وهذا إخلال بإعراب المبتدأ.