الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى إمساس الألفاظ أشباه المعانى

صفحة 506 - الجزء 1

  فجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر - أعنى باب القلقلة - والمثال الذى توالت حركاته للأفعال التى توالت الحركات فيها.

  ومن ذلك - وهو أصنع منه - أنهم جعلوا (استفعل) فى أكثر الأمر للطلب؛ نحو استسقى، واستطعم، واستوهب، واستمنح، واستقدم عمرا، واستصرخ جعفرا. فرتّبت فى هذا الباب الحروف على ترتيب الأفعال. وتفسير ذلك أن الأفعال المحدّث عنها أنها وقعت عن غير طلب إنما تفجأ حروفها الأصول، أو ما ضارع بالصنعة الأصول.

  فالأصول نحو قولهم: طعم ووهب، ودخل وخرج، وصعد ونزل. فهذا إخبار بأصول فاجأت عن أفعال وقعت، ولم يكن معها دلالة تدلّ على طلب لها ولا إعمال فيها. وكذلك ما تقدّمت الزيادة فيه على سمت الأصل؛ نحو أحسن، وأكرم، وأعطى وأولى. فهذا من طريق الصنعة بوزن الأصل فى نحو دحرج؛ وسرهف، وقوقى وزوزى. وذلك أنهم جعلوا هذا الكلام عبارات عن هذه المعانى، فكلّما ازدادت العبارة شبها بالمعنى كانت أدلّ عليه، وأشهد بالغرض فيه.

  فلمّا كانت إذا فاجأت الأفعال فاجأت أصول المثل⁣(⁣١) الدالّة عليها أو ما جرى مجرى أصولها؛ نحو وهب، ومنح، وأكرم، وأحسن، كذلك إذا أخبرت بأنك سعيت فيها وتسبّبت لها، وجب أن تقدّم أمام حروفها الأصول فى مثلها الدالّة عليها أحرفا زائدة على تلك الأصول تكون كالمقدّمة لها، والمؤدّية إليها.

  وذلك نحو استفعل؛ فجاءت الهمزة والسين والتاء زوائد، ثم وردت بعدها الأصول: الفاء، والعين، واللام. فهذا من اللفظ وفق المعنى الموجود هناك.

  وذلك أن الطلب للفعل والتماسه والسعى فيه والتأتى لوقوعه تقدّمه، ثم وقعت الإجابة إليه، فتبع الفعل السؤال فيه والتسبّب لوقوعه. فكما تبعت أفعال الإجابة


= (حيد)، والمخصص ١٥/ ٦٩، وديوان الأدب ٣/ ٤١٢، وكتاب العين ٦/ ٢٠٣. جمزى: حمار وحشى، جازئ: يستغنى بالرطب عن الماء. الأصحم: سواد إلى صفرة، وجراميزه: جسده ونفسه. حزابية: غليظ. والدحال: جمع الدحل، وهو هوة ضيقة الأعلى واسعة الأسفل.

(١) يقصد بالمثل هنا: الصيغ، وقد مرّ التنبيه على مثل ذلك فى الجزء الأول فى الكلام عن علل النحاة.