الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى إمساس الألفاظ أشباه المعانى

صفحة 507 - الجزء 1

  أفعال الطلب، كذلك تبعت حروف الأصل الحروف الزائدة التى وضعت للالتماس والمسألة. وذلك نحو استخرج، واستقدم، واستوهب، واستمنح، واستعطى، واستدنى. فهذا على سمت الصنعة التى تقدّمت فى رأى الخليل وسيبويه؛ إلا أن هذه أغمض من تلك. غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها، ومعقودة عليها. ومن وجد مقالا قال به وإن لم يسبق إليه غيره. فكيف به إذا تبع العلماء فيه، وتلاهم على تمثيل معانيه.

  ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين فى المثال دليلا على تكرير الفعل، فقالوا: كسّر، وقطّع، وفتّح، وغلّق. وذلك أنهم لمّا جعلوا الألفاظ دليلة المعانى فأقوى اللفظ ينبغى أن يقابل به قوّة الفعل، والعين أقوى من الفاء واللام، وذلك لأنها واسطة لهما، ومكنوفة بهما؛ فصارا كأنهما سياج لها، ومبذولان للعوارض دونها.

  ولذلك تجد الإعلال بالحذف فيهما دونها. فأمّا حذف الفاء ففى المصادر من باب وعد؛ نحو العدة، والزنة، والطدة، والتدة، والهبة، والإبة. وأما اللام فنحو اليد، والدم، والفم، والأب، والأخ، والسنة، والمائة، والفئة. وقلّما تجد الحذف فى العين.

  فلمّا كانت الأفعال دليلة المعانى كرروا أقواها، وجعلوه دليلا على قوّة المعنى المحدّث به، وهو تكرير الفعل؛ كما جعلوا تقطيعه فى نحو صرصر وحقحق دليلا على تقطيعه. ولم يكونوا ليضعّفوا الفاء ولا اللام لكراهية التضعيف فى أول الكلمة، والإشفاق على الحرف المضعّف أن يجيء فى آخرها، وهو مكان الحذف وموضع الإعلال، وهم قد أرادوا تحصين الحرف الدالّ على قوة الفعل. فهذا أيضا من مساوقة الصيغة للمعانى.

  وقد أتبعوا اللام فى باب المبالغة العين؛ وذلك إذا كررت العين معها فى نحو دمكمك وصمحمح وعركرك⁣(⁣١) وعصبصب وغشمشم؛ والموضع فى ذلك للعين وإنما ضامّتها اللام هنا تبعا لها ولاحقة بها؛ ألا ترى إلى ما جاء عنهم للمبالغة من نحو اخلولق، واعشوشب، واغدودن، واحمومى، واذلولى، واقطوطى، وكذلك


(١) يقال بعير عركرك: قوى غليظ.