الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى مشابهة معانى الإعراب معانى الشعر

صفحة 520 - الجزء 1

  خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... فى طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

  ومما جاء فى معنى إعمال الأول قول الطائىّ الكبير:

  نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلا للحبيب الأول

  وقول كثيّر:

  ولقد أردت الصبر عنك فعاقنى ... علق بقلبى من هواك قديم⁣(⁣١)

  وقول الآخر:

  تمرّ به الأيام تسحب ذيلها ... فتبلى به الأيام وهو جديد

  ومن ذلك ما جاء عنهم من الجوار فى قولهم: هذا جحر ضبّ خرب، وما يحكى أن أعرابيا أراد امرأة له، فقالت له: إنى حائض، فقال: فأين الهنة الأخرى، فقالت له: اتّق الله، فقال:

  كلا وربّ البيت ذى الأستار ... لأهتكنّ حلق الحتار

  قد يؤخذ الجار بجرم الجار⁣(⁣٢)

  ومنه قول العرب: أعطيتك إذ سألتنى، وزدتك إذ شكرتنى. فـ «إذ» معمولة العطيّة والزيادة، وإذا عمل الفعل فى ظرف، زمانيّا كان أو مكانيّا، فإنه لا بدّ أن يكون واقعا فيه، وليست العطيّة واقعة فى وقت المسألة، وإنما هى عقيبه؛ لأن المسألة سبب العطيّة، والسبب جار مجرى العلّة، فيجب أن يتقدم المعلول والمسبّب؛ لكنه لمّا كانت العطية مسبّبة عن المسألة وواقعة على أثرها، وتقارب وقتاهما، صارا لذلك كأنهما فى وقت واحد. فهذا تجاور فى الزمان؛ كما أن ذاك تجاور فى الإعراب.


(١) البيت من الكامل، وهو لكثير فى ديوانه ص ٢٠٦، ولسان العرب (علق)، ولابن الدثئية فى تاج العروس (علق).

(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (حنز)، وتاج العروس (حنز)، وكتاب العين ٣/ ١٩٠. الحتار: حلقة الدبر.