باب فى خلع الأدلة
  عنها لوجب إعرابها؛ لأنها إنما بنيت لتضمّنها معنى حرف الاستفهام، فإذا زال ذلك عنها وجب إعرابها؛ كما أنه لمّا خلعت دلالة الاستفهام عن (من) أعربت فى قولهم: ضرب من منا. وكذلك قولك: مررت برجل أىّ رجل، لمّا خلعت عنها دلالة الاستفهام (جرت وصفا). وهذا واضح جلىّ.
  ومن ذلك كاف المخاطب للمذكّر والمؤنث - نحو رأيتك، وكلّمتك - هى تفيد شيئين: الاسمية والخطاب، ثم قد خلع عنها دلالة الاسم فى قولهم: ذلك، وأولئك، وهاك، وهاءك، وأبصرك زيدا، وأنت تريد: أبصر زيدا، وليسك أخاك فى معنى ليس أخاك.
  وكذلك قولهم: أرأيتك زيدا ما صنع؟ وحكى أبو زيد: بلاك والله، وكلاك والله، أى بلى وكلا. فالكاف فى جميع ذلك حرف خطاب مخلوعة عنه دلالة الاسمية؛ وعليه قول سيبويه. ومن زعم أن الكاف فى (ذلك) اسم انبغى له أن يقول: ذلك نفسك. وهذا كله مشروح فى أماكنه. فلا موضع إذا لهذه الكاف من الإعراب. وكذلك هى إذا وصلت بالميم والألف والواو؛ نحو ذلكما، وذلكمو.
  فعلى هذا يكون قول الله سبحانه: {أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ}[الأعراف: ٢٢] (كما) من (أنهكما) منصوبة الموضع، و (كما) من (تلكما) لا موضع لها، لأنها حرف خطاب.
  فإن قيل: فإذا كانت حرفا لا اسما فيكف جاز أن تكون الألف المنفصلة التى قبلها تأسيسا(١) فى نحو قوله:
  ... على صدفىّ كالحنيّة بارك
  ولا غرو إلا جارتى وسؤالها ... أليس لنا أهل سئلت كذلك(٢)
(١) التأسيس: هو ألف بينها وبين الروىّ حرف واحد متحرك يسمى الدّخيل، نحو (بارك) «فالألف» هى «التأسيس» و «الراء» هى «الدخيل» و «الكاف» هى «الروىّ». (الخزانة اللغوية).
(٢) عجز البيت الأول والبيت الثانى من الطويل، وهما لطرفة بن العبد فى ديوانه ص ٧٢، ولسان العرب (صدف)، (غرا)، وتاج العروس (صدف)، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٤، والأصمعيات ص ١٤٩، والشعر والشعراء ص ١٩٩، والمعانى الكبير ص ٨٣٢. وصدر البيت الأول منهما:
* تردّ على الريح ثوبى قاعدا*
ويروى: لدى بدلا من علىّ. ويروى البيت الثانى: ألا هل بدلا من أليس.