الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى خلع الأدلة

صفحة 533 - الجزء 1

  احتشام منه، ولا إنكار عليه. وذلك نحو قول التابع الصغير للسيّد الخطير: قد خاطبت ذلك الرجل، واشتريت تينك الفرسين، ونظرت إلى ذينك الغلامين، فيخاطب الصاحب الأكبر بالكاف، وليس الكلام شعرا فتحتمل له جرأة الخطاب فيه، كقوله: لقينا بك الأسد، وسألنا منك البحر، وأنت السيّد القادر، ونحو ذلك.

  وعلّة جواز ذلك عندى أنه إنما لم تخاطب الملوك بأسمائها إعظاما لها؛ إذ كان الاسم دليل المعنى، وجاريا فى أكثر الاستعمال مجراه؛ حتّى دعا ذاك قوما إلى أن زعموا⁣(⁣١) أن الاسم هو المسمّى. فلمّا أرادوا إعظام الملوك وإكبارهم تجافوا وتجانفوا عن ابتذال أسمائهم التى هى شواهدهم، وأدلّة عليهم، إلى الكناية بلفظ الغيبة، فقالوا: إن رأى الملك أدام الله علوّه، ونسأله حرس الله ملكه، ونحو ذلك، وتحاموا (إن رأيت)، و (نحن نسألك)؛ لما ذكرنا. فهذا هذا. فلمّا خلعت عن هذه الكاف دلالة الاسمية وجرّدت للخطاب ألبتّة جاز استعمالها؛ لأنها ليست باسم فيكون فى اللفظ به ابتذال له. فلمّا خلصت هذه الكاف خطابا البتّة، وعريت من معنى الاسمية، استعملت فى خطاب الملوك لذلك.

  فإن قيل: فهلّا جاز على هذا أن يقال للملك ومن يلحق به فى غير الشعر (أنت) لأن التاء هنا أيضا للخطاب، مخلوعة عنها دلالة الاسمية؟ قيل: التاء فى (أنت) وإن كانت حرف خطاب لا اسما، فإن معها نفسها الاسم، وهو (أن) من (أنت) فالاسم على كل حال حاضر، وإن لم تكن الكاف وليس كذا قولنا (ذلك)؛ لأنه ليس للمخاطب بالكاف هنا اسم غير الكاف؛ كما كان له مع التاء فى (أنت) اسم للمخاطب نفسه، وهو (أن). فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.

  ونحو من ذلك ما رآه أبو الحسن فى أن الهاء والياء فى (إيّاه) و (إيّاى) حرفان، أحدهما للغيبة، وهو الهاء، والآخر للحضور، وهو الياء. وذلك أنه كان يرى أن


(١) فى اللسان (سما): «وسئل أبو العباس عن الاسم أهو المسمى أو غير المسمى؟ فقال: قال أبو عبيدة الاسم هو المسمى، وقال سيبويه: الاسم غير المسمى. وهى مسألة كلامية فيها اختلاف. وانظر الإنصاف المنسوب للباقلانى ٥٣، وتفسير البيضاوى فى سورة الفاتحة.