باب فى خلع الأدلة
  الكاف فى (إيّاك) حرف للخطاب، فإذا أدخلت عليه الهاء والياء فى (إيّاه) و (إيّاى) قال: هما أيضا حرفان للغيبة والحضور، مخلوعة عنهما دلالة الاسمية فى رأيته، وغلامى، وصاحبى. وهذا مذهب هول. وهو - وإن كان كذلك - جار على القوّة، ومقتاس بالصحّة.
  واعلم أن نظير الكاف فى رأيتك إذا خلعت عنها دلالة الاسميّة واستقرّت للخطاب - على ما أرينا - التاء فى قمت، وقعدت، ونحو ذلك، هى هنا تفيد الاسميّة والخطاب، ثم تخلع عنها دلالة الاسمية، وتخلص للخطاب البتّة فى أنت وأنت. فالاسم (أن) وحده، والتاء (من بعد) للخطاب.
  وللتاء موضع آخر تخلص فيه للاسميّة ألبتة، وليس (ذلك للكاف). وذلك الموضع قولهم: أرأيتك زيدا ما صنع. فالتاء اسم مجرّد من الخطاب، والكاف حرف للخطاب مجرّد من الاسمية. هذا هو المذهب. ولذلك لزمت التاء الإفراد والفتح فى الأحوال كلّها؛ نحو قولك للمرأة: أرأيتك زيدا ما شأنه؟ وللاثنين، (وللاثنتين) أرأيتكما زيدا أين جلس؟ ولجماعة المذكّر والمؤنّث: أرأيتكم زيدا ما خبره؟ وأ رأيتكنّ عمرا ما حديثه؟ فالتغيير للخطاب لاحق للكاف، والتاء - (لأنه) لا خطاب فيها - على صورة واحدة، لأنها مخلصة اسما.
  فإن قيل: هذا ينقض عليك أصلا مقرّرا. وذلك أنك إنما تعتلّ لبناء الأسماء المضمرة بأن تقول: إنّ شبه الحرف (غلب عليها، ومعنى الاسم بعد عنها) وذلك نحو قولك: (ذلك) وأولئك، فتجد الكاف مخلصة للخطاب، عارية من معنى الاسم. وكذلك التاء فى أنت وأنت عارية من معنى الاسم، مجرّدة لمعنى الحرف.
  وأنت مع هذا تقول: إن التاء فى أرأيتك زيدا [أين هو، ونحو ذلك قد أخلصتها اسما، وخلعت عنها دلالة الخطاب. فإذا كانت قد تخلص فى موضع اسما؛ كما خلصت فى آخر حرفا تعادل أمراها، ولم يكن لك عذر فى الاحتجاج بإحدى حاليها.
  (قيل: إن) الكاف فى (ذلك) جرّدت من معنى الاسمية، ولم تقرن باسم المخاطب بها. والتاء فى أرأيتك زيدا] ما صنع لم تجرّد من معنى الحرفية إلا مقترنة