الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الشئ يرد مع نظيره مورده مع نقيضه

صفحة 11 - الجزء 2

  فى أن المراد به معنى الكثرة. وذلك أمدح؛ لأنه إذا قرى الأضياف وهم قليل بمراجل الحىّ أجمع، فما ظنك به لو نزل به الضيفان الكثيرون!

  فإن قيل: فلم أنّث المصدر أصلا؟ وما الذى سوّغ التأنيث فيه مع معنى العموم والجنس، وكلاهما إلى التذكير، حتى احتجت إلى الاعتذار له بقولك: إنه أصل، وإن الأصول تحمل ما لا تحمله الفروع؟.

  قيل: علّة جواز تأنيث المصدر مع ما ذكرته من وجوب تذكيره أنّ المصادر أجناس للمعانى، (كما غيرها) أجناس للأعيان؛ نحو رجل، وفرس، وغلام، ودار، وبستان. فكما أن أسماء أجناس الأعيان قد تأتى مؤنّثة الألفاظ، ولا حقيقة تأنيث فى معناها؛ نحو غرفة، ومشرقة، وعلّية، ومروحة، ومقرمة⁣(⁣١)؛ كذلك جاءت أيضا أجناس المعانى مؤنّثا بعضها لفظا لا معنى. وذلك نحو المحمدة، والموجدة، والرشاقة، والجباسة، والضئولة، والجهومة.

  نعم، وإذا جاز تأنيث المصدر وهو على مصدريّته غير موصوف به، لم يكن تأنيثه وجمعه، وقد ورد وصفا على المحلّ الذى من عادته أن يفرق فيه بين مذكّره ومؤنثه، وواحده وجماعته، قبيحا ولا مستكرها؛ أعنى ضيفة وخصمة، وأضيافا وخصوما؛ وإن كان التذكير والإفراد أقوى فى اللغة، وأعلى فى الصنعة؛ قال الله تعالى: {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ}⁣[ص: ٢١].

  وإنما كان التذكير والإفراد أقوى من قبل أنك لمّا وصفت بالمصدر أردت المبالغة بذلك، فكان من تمام المعنى وكماله أن تؤكّد ذلك بترك التأنيث والجمع؛ كما يجب للمصدر فى أوّل أحواله؛ ألا ترى أنك إذا أنّثت وجمعت سلكت به مذهب الصفة الحقيقيّة التى لا معنى للمبالغة فيها، نحو قائمة، ومنطلقة، وضاربات، ومكرمات.


، - - وخزانة الأدب ٨/ ١٠٦، ١٠٧، ١١٠، ١١٦، وشرح الأشمونى ٣/ ٦٧١، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٢١، وشرح المفصل ٥/ ١٠، والكتاب ٣/ ٥٧٨، ولسان العرب (جدا)، والمحتسب ١/ ١٨٧، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٢٧، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١/ ١٣٥، والمقتضب ٢/ ١٨٨. وصدر البيت:

*لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى*

(١) مقرمة: هى ستر رقيق.