باب فى التطوع بما لا يلزم
  فأجرى «منتصبا» مجرى فخذ فأسكن ثانيه؛ وعليه حكاية الكتاب: أراك منتفخا. ونحو من قوله: (لمّا رآها الرّآء) فى توهم جرّ الفاعل قول طرفة:
  *وسديف حين هاج الصنّبر(١) *
  كأنه أراد: الصّنّبر، ثم تصوّر معنى الإضافة، فصار إلى أنه كأنه قال: حين هيج الصنّبر، ثم نقل الكسرة على حدّ مررت ببكر، وأجرى «صنبر» من الصنّبر مجرى بكر على قوله: أراك منتفخا.
  وأعلى من هذا أنّ مجئ هذا البيت فى هذه القصيدة مخالفا لجميع أبياتها يدلّ على قوّة شاعرها وشرف صناعته، وأن ما وجد من تتالى قوافيها على جرّ مواضعها ليس شيئا سعى فيه، ولا أكره طبعه عليه؛ وإنما هو مذهب قاده إليه علوّ طبقته، وجوهر فصاحته.
  وعلى ذلك ما أنشدناه أبو بكر محمد بن على عن أبى إسحاق لعبيد من قوله:
  يا خليلىّ اربعا واستخبرا ال ... منزل الدارس من أهل الحلال(٢)
  مثل سحق البرد عفّى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشّمال(٣)
  ولقد يغنى به جيرانك ال ... ممسكو منك بأسباب الوصال
  ثم أودى ودّهم إذ أزمعوا ال ... بين والأيام حال بعد حال
  فانصرف عنهم بعنس كالوأى ال ... جأب ذى العانة أو شاة الرمال(٤)
= (نصب)، (نصص)، وتاج العروس (نصص)، (نصب)، وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب ١/ ٤٥، وشرح المفصل ٩/ ١٤٠، وتهذيب اللغة ١٢/ ١١٧. وبعده:
*إذا أحس نبأه توجسا*
(١) عجز البيت من الرمل، وهو لطرفة فى ديوانه ص ٥٦، ولسان العرب (صنبر)، وتهذيب اللغة ١٢/ ٢٧١، وتاج العروس (صنبر). وصدر البيت:
*يجفان نعترى نادينا*
(٢) الحلال جمع الحلة - بكسر الحاء - وهى جماعة البيوت، أو مائة بيت.
(٣) السحق: البالى. تأويب الشمال: رجوعها وتردد هبوبها.
(٤) العنس: الناقة الصلبة. والأمون: الناقة الوثيقة الخلق التى لا يخاف عليها الإعياء. والوأى: الحمار الوحشى. والعانة: القطيع من حمر الوحش. وشاة الرمال يريد به هنا الثور الوحشىّ.