الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى التطوع بما لا يلزم

صفحة 47 - الجزء 2

  صوت نشيش اللّحم عند القلاء⁣(⁣١)

  اطّرد جميع قوافيها على جرّ مواضعها إلا (بيتا واحدا وهو) قوله:

  *كأنها لما رآها الرّآء*

  فإنه مرفوع الموضع. وفيه مع ذلك سرّ لطيف يرجعه إلى حكم المجرور بالتأويل.

  وذلك أنّ (لمّا) مضافة إلى قوله: رآها الرّآء، والفعل لذلك مجرور الموضع بإضافة الظرف الذى هو (لمّا) إليه؛ كما أن قول الله تعالى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}⁣[النصر: ١] الفعل الذى هو (جاء) فى موضع جرّ بإضافة الظرف الذى هو (إذا) إليه. وإذا كان كذلك، وكان صاحب الجملة التى هى الفعل والفاعل إنما هو الفاعل، وإنما جيء بالفعل له ومن أجله، وكان أشرف جزءيها وأنبههما صارت الإضافة (كأنها) إليه؛ فكأنّ الفاعل لذلك فى موضع جرّ، لا سيّما وأنت لو لخّصت الإضافة هنا وشرحتها لكان تقديرها: كأنها وقت رؤية الرّآء لها. (فالرّآء) إذا مع الشرح مجرور لا محالة.

  نعم، وقد ثبت أن الفعل مع الفاعل فى كثير من الأحكام والأماكن كالشيء الواحد.

  وإذا كان الفعل مجرور الموضع، والفاعل معه كالجزء منه، دخل الفاعل منه فى اعتقاد تلخيصه مجرورا فى اللفظ موضعه؛ كما أن النون من إذن لمّا كانت بعض حرف جرى عليها ما يجرى على الحرف المفرد من إبداله فى الوقف ألفا؛ وذلك قولهم: لأقومن إذا؛ كما تقول: ضربت زيدا، ومع النون الخفيفة للواحد: اضربا. فكما أجريت على بعض الحرف ما يجرى على جميعه من القلب، كذلك أجريت على بعض الفعل - وهو الفاعل - ما يجرى على جميعه من الحكم.

  ومما أجرى فيه بعض الحرف مجرى جميعه قوله:

  *فبات منتصبا وما تكردسا⁣(⁣٢) *


(١) الرجز لغيلان الربعى والبيت الثانى منها فى لسان العرب (ذرع)، وتاج العروس (ذرع). والنشيش: صوت الغليان.

(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ١/ ١٩٧، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥٩، ولسان العرب (كردس) =