باب فى التطوع بما لا يلزم
  أحرف غير لازمة، وهى الراء، والنون، والدال، والياء، والنون؛ لأن الواو يجوز معها ألا ترى أنه يجوز معها فى القولين جميعا يغزونى ويدعونى.
  ومما يسأل عنه من هذا النحو قول الثقفىّ يزيد بن الحكم:
  وكم منزل لولاى طحت كما هوى بها ... بأجرامه من قلّة النيق منهمو(١)
  التزم الواو والياء فيها كلّها.
  والجواب أنها واويّة لأمرين: أحدهما أنك إذا جعلتها واويّة كانت مطلقة، ولو جعلتها يائية كانت مقيّدة؛ والشعر المطلق أضعاف المقيّد، والحمل إنما يجب أن يكون على الأكثر لا على الأقلّ.
  والآخر أنه قد التزم الواو، فإن جعلت القصيدة واوية فقد التزم واجبا، وإن جعلتها يائية فقد التزم غير واجب، واعتبرنا هذه اللغة وأحكامها ومقاييسها فإذا الملتزم أكثره واجب (وأقلّه غير واجب) والحمل على الأكثر دون الأقلّ.
  فإن قلت: فإن هذه القلّة أفخر من الكثرة؛ ألا ترى أنها دالّة على قوّة الشاعر.
  وإذا كانت أنبه وأشرف كان الأخذ يجب أن يكون بها، ولم يحسن العدول عنها مع القدرة عليها. وكما أن الحمل على الأكثر، فكذلك يجب أن يكون الحمل على الأقوى أولى من الحمل على الأدنى.
  قيل: كيف تصرّفت الحال فينبغى أن يعمل على الأكثر لا على الأقلّ، وإن كان الأقلّ أقوى قياسا؛ ألا ترى إلى قوة قياس قول بنى تميم فى (ما) وأنها ينبغى أن تكون غير عاملة فى أقوى القياسين عن سيبويه. ومع ذا فأكثر المسموع عنهم إنما
(١) البيت من الطويل، وهو ليزيد بن الحكم فى الأزهيّة ص ١٧١، وخزانة الأدب ٥/ ٣٣٦، ٣٣٧، ٣٤٢، والدرر ٤/ ١٧٥، وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٩٥، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٠٢، وشرح المفصل ٣/ ١١٨، ٩/ ٢٣، والكتاب ٢/ ٣٧٤، ولسان العرب (جرم)، (هوا)، (إمالا)، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢/ ٦٩١، والجنى الدانى ص ٦٠٣، وجواهر الأدب ص ٣٩٧، وخزانة الأدب ١٠/ ٣٣، ورصف المبانى ص ٢٩٥، وشرح الأشمونى ٢/ ٢٨٥، وشرح ابن عقيل ص ٣٥٣، والممتع فى التصريف ١/ ١٩١، والمنصف ١/ ٧٢. ويروى:
*وكم موطن بدلا من وكم منزل*