الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى التطوع بما لا يلزم

صفحة 53 - الجزء 2

  وقد قال هميان بن قحافة:

  لمّا رأتنى أمّ عمرو صدفت ... قد بلغت بى ذرأة فألحفت⁣(⁣١)

  وهامة كأنها قد نتفت ... وانعاجت الأحناء حتى احلنقفت⁣(⁣٢)

  وهى تسعة وثلاثون بيتا، والتزم فى جميعها الفاء، وليست واجبة وإن كانت قريبة من صورة الوجوب. وذلك أن هذه التاء فى الفعل إذا صارت إلى الاسم صارت فى الوقف هاء فى قولك: صادفة وملحفة ومحلنقفة (فإذا صارت هاء) لم يكن الروىّ إلا ما قبلها، فكأنها لمّا سقط حكمها مع الاسم من ذلك الفعل صارت فى الفعل نفسه قريبة من ذلك الحكم. وهذا الموضع لقطرب. وهو جيّد.

  ومن ذلك تائية كثير:

  *خليلىّ هذا ربع عزّة فاعقلا*

  لزم فى جميعها اللام والتاء.

  ومنه قول منظور:

  *من لى من هجران ليلى من لى*

  لزم اللام المشدّد إلى آخرها.

  وفى المحدثين من يسلك هذا الطريق، وينبغى أن يكونوا إليه أقرب، وبه أحجى، إذ كانوا فى صنعة الشعر أرحب ذراعا، وأوسع خناقا؛ لأنهم فيه متأنّون، وعليه متلوّمون⁣(⁣٣)، وليسوا بمرتجليه، ولا مستكرهين فيه.

  وقد كان ابن الرومىّ رام ذلك لسعة حفظه، وشدّة مأخذه. فمن ذلك رائيّته فى وصف العنب؛ وهى قوله:


(١) ذرأة أى شيب.

(٢) البيت الأول من الرجز يروى لحسان بن ثابت فى ديوانه ص ٣٧٤، ولسان العرب (بلع)، وبلا نسبة فى لسان العرب (شنف)، وتاج العروس (بلع). والثانى من الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (حلقف)، (حنا)، وتاج العروس (حنا). الأحناء: الجوانب. واحلنقف الشئ: أفرط اعوجاجه.

(٣) التلوم فى الأمر: التمهل فيه والتريث.