الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى استعمال الحروف بعضها مكان بعض

صفحة 93 - الجزء 2

  ومنه قول الله سبحانه: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً}⁣[المزمل: ٨]. وأصنع من هذا قول الهذلىّ:

  ما إن يمسّ الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طىّ المحمل⁣(⁣١)

  فهذا على فعل ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر؛ ألا ترى أن معناه: طوى طىّ المحمل؛ فحمل المصدر على فعل دلّ أول الكلام عليه. وهذا ظاهر.

  وكذلك قول الله تعالى: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ}⁣[الصف: ١٤] أى مع الله، وأنت لا تقول: سرت إلى زيد أى معه؛ لكنه إنما جاء (من أنصارى إلى الله) لمّا كان معناه: من ينضاف فى نصرتى إلى الله؛ فجاز لذلك أن تأتى هنا إلى. وكذلك قوله - عزّ اسمه -: {هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى}⁣[النازعات: ١٨] وأنت إنما تقول: هل لك فى كذا، لكنه لمّا كان على هذا دعاء منه ÷ صار تقديره؛ أدعوك وأرشدك إلى أن تزكّى. وعليه قول الفرزدق:

  كيف ترانى قاليا مجنّى ... أضرب أمرى ظهره للبطن

  قد قتل الله زيادا عنّى⁣(⁣٢)

  لمّا كان معنى قد قتله: قد صرفه، عدّاه بعن.


= ص ٦٣٠، والأشباه والنظائر ١/ ٢٤٥، وجمهرة الأمثال ١/ ٤١٩، وشرح المفصل ١/ ١١١، والمقتضب ٣/ ٢٠٥. وصدر البيت:

*وخير الأمر ما استقبلت منه*

(١) البيت من الكامل، وهو لأبى كبير الهذلىّ فى خزانة الأدب ٨/ ١٩٤، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٢٤، وشرح أشعار الهذليين ٣/ ١٠٧٤، وشرح التصريح ١/ ٣٣٤، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٩٠، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٤٧، وشرح شواهد المغنى ١/ ٢٢٧، والشعر والشعراء ٢/ ٦٧٦، والكتاب ١/ ٣٥٩، والمقاصد النحوية ٣/ ٥٤، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١/ ٢٤٦، والإنصاف ١/ ٢٣٠، وأوضح المسالك ٢/ ٢٢٤، والمقتضب ٣/ ٢٠٣، ٢٣٢.

(٢) الرجز للفرزدق فى لسان العرب (ظهر)، (قتل)، (جنن)، وشرح الأشمونى ١/ ٢٠٠، والمحتسب ١/ ٥٢، ومغنى اللبيب ٢/ ٦٨٦، وتاج العروس (ظهر)، (قتل)، (جنن)، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ١/ ٢٤٧، ٢/ ١٠٩، ١٧٩، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٩٦٢. المجنّ: الترس.