باب فى استعمال الحروف بعضها مكان بعض
  ووجدت فى اللغة من هذا الفنّ شيئا كثيرا لا يكاد يحاط به؛ ولعلّه لو جمع أكثره (لا جميعه) لجاء كتابا ضخما؛ وقد عرفت طريقه. فإذا مرّ بك شيء منه فتقبّله وأنس به؛ فإنه فصل من العربية لطيف، حسن يدعو إلى الأنس بها والفقاهة فيها. وفيه أيضا موضع يشهد على من أنكر أن يكون فى اللغة لفظان بمعنى واحد، حتى تكلّف لذلك أن يوجد فرقا بين قعد وجلس(١)، وبين ذراع(٢) وساعد؛ ألا ترى أنه لما كان رفث بالمرأة فى معنى أفضى إليها جاز أن يتبع الرفث الحرف الذى بابه الإفضاء، وهو (إلى). وكذلك لمّا كان (هل لك فى كذا) بمعنى أدعوك إليه جاز أن يقال: هل لك إلى أن تزكى (كما يقال أدعوك إلى أن تزكى) وقد قال رؤبة ما قطع به العذر هاهنا، قال:
  *بال بأسماء البلى يسمّى*
  فجعل للبلى - وهو معنى واحد - أسماء.
  وقد قدمنا هذا (فيما مضى من صدر كتابنا).
  ومما جاء من الحروف فى موضع غيره على نحو مما ذكرنا قوله:
  إذا رضيت علىّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبنى رضاها(٣)
  أراد: عنّى. ووجهه: أنا إذا رضيت عنه أحبّته وأقبلت عليه. فلذلك استعمل (على) بمعنى (عن) وكان أبو علىّ يستحسن قول الكسائىّ فى هذا؛ لأنه قال: لما كان (رضيت) ضدّ (سخطت) عدّى رضيت بعلى حملا للشيء على نقيضه؛ كما
(١) القعود يكون عن قيام. والجلوس يكون عن حالة دونه.
(٢) فسر بعضهم الذراع بأنه الأسفل من الزندين، والساعد: الأعلى منهما. وانظر اللسان.
(٣) البيت من الوافر، وهو للقحيف العقيلى فى أدب الكاتب ص ٥٠٧، والأزهية ص ٢٧٧، وخزانة الأدب ١٠/ ١٣٢، ١٣٣، والدرر ٤/ ١٣٥، وشرح التصريح ٢/ ١٤، وشرح شواهد المغنى ١/ ٤١٦، ولسان العرب (رضى)، والمقاصد النحوية ٣/ ٢٨٢، ونوادر أبى زيد ص ١٧٦، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢/ ١١٨، والإنصاف ٢/ ٦٣٠، وأوضح المسالك ٣/ ٤١، وجمهرة اللغة ص ١٣١٤، والجنى الدانى ص ٤٧٧، ورصف المبانى ص ٣٧٢، وشرح الأشمونى ٢/ ٢٩٤، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٩٥٤، وشرح ابن عقيل ص ٣٦٥، وشرح المفصل ١/ ١٢٠، ولسان العرب (يا)، والمحتسب ١/ ٥٢، ٣٤٨، ومغنى اللبيب ٢/ ١٤٣، والمقتضب ٢/ ٣٢٠، وهمع الهوامع ٢/ ٢٨، وتاج العروس (عنن).