الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى حمل الأصول على الفروع

صفحة 136 - الجزء 2

باب فى حمل الأصول على الفروع

  قال أبو عثمان: لا يضاف ضارب إلى فاعله؛ لأنك لا تضيفه إليه مضمرا، فكذلك لا تضيفه إليه مظهرا. قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل لمّا جازت إضافته إليه مضمرا. كأن أبا عثمان إنما اعتبر فى هذا الباب المضمر فقدّمه، وحمل عليه المظهر؛ من قبل أن المضمر أقوى حكما فى باب الإضافة من المظهر. وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة - وهو التنوين - من المظهر. ولذلك لا يجتمعان فى نحو ضاربانك وقاتلونه؛ من حيث كان المضمر بلطفه وقوّة اتصاله (مشابها للتنوين بلطفه وقوّة اتصاله) وليس كذلك المظهر لقوّته ووفور صورته؛ ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه؛ نحو ضاربان زيدا، وقاتلون عمرا. فلمّا كان المضمر ممّا تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر - وإن كان هو الأصل - عليه، وأصاره - لما ذكرناه - إليه.

  ومن ذلك قولهم: إنما استوى النصب والجرّ فى المظهر فى نحو رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين لاستوائهما فى المضمر؛ نحو رأيتك ومررت بك. وإنما كان هذا الموضع للمضمر حتى حمل عليه حكم المظهر من حيث كان المضمر عاريا من الإعراب، (فإذا) عرى منه جاز أن يأتى منصوبه بلفظ مجروره، وليس كذلك المظهر؛ لأن باب الإظهار أن يكون موسوما بالإعراب، فلذلك حملوا الظاهر على المضمر فى التثنية وإن كان المظهر هو الأصل؛ إذ كان المراعى هنا أمرا غير الفرعيّة والأصليّة، وإنما هو أمر الإعراب والبناء. وإذا تأمّلت ذلك علمت أنك فى الحقيقة إنما حملت فرعا على أصل لا أصلا على فرع؛ ألا ترى أن المضمر أصل فى عدم الإعراب، فحملت المظهر عليه؛ لأنه فرع فى البناء؛ كما حملت المظهر على المضمر فى باب الإضافة؛ من حيث كان المضمر هو الأصل فى مشابهته التنوين والمظهر فرع عليه فى ذلك؛ لأنه إنما (يتأصّل) فى الإعراب لا فى البناء.

  فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تخنع لها، ولا تعط باليد مع أوّل ورودها، وتأتّ لها، ولا طف بالصنعة ما يورده الخصم منها، مناظرا كان أو خاطرا. وبالله التوفيق.