الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 71 - الجزء 1

  الرابع «م ك ل» منه بئر مكول، إذا قلّ ماؤها، قال القطامىّ:

  * كأنها قلب عاديّة مكل⁣(⁣١) *

  والتقاؤهما أنّ البئر موضوعة الأمر على جمّتها بالماء، فإذا قلّ ماؤها كره موردها، وجفا جانبها. وتلك شدّة ظاهرة⁣(⁣٢).

  الخامس «م ل ك» من ذلك ملكت العجين، إذا أنعمت عجنه فاشتدّ وقوى.

  ومنه ملك الإنسان، ألا تراهم يقولون: قد اشتملت عليه يدى، وذلك قوة وقدرة من المالك على ملكه، ومنه الملك، لما يعطى صاحبه من القوة والغلبة، وأملكت الجارية؛ لأن يد بعلها تقتدر عليها. فكذلك بقيّة الباب كله.

  فهذه أحكام هذين الأصلين على تصرفهما وتقلّب حروفهما.


(١) هذا عجز بيت من قصيدة له مطلعها:

إنا محبوك، فاسلم أيها الطلل ... وإن بليت، وإن طالت بك الطيل

وصدره:

* لواغب الطرف منقوبا محاجرها*

وقبله فى وصف الإبل:

خوصا تدير عيونا ماؤها سرب ... على الخدود إذا ما اغرورق المقل

فقوله: كأنها قلب يريد محاجر العين يصفها بغئور العين وسعة موضعها، والمحاجر جمع محجر، وهو ما دار بالعين، والقلب جمع قليب وهو البئر، والعادية: القديمة منسوبة إلى عاد، والمكل جمع مكول. وانظر جمهرة العرب للقرشى، وديوان القطامى المطبوع فى ليدن. (نجار).

(٢) قلت: فات ابن جنى أن يوجه المعنى الآخر لـ (مكل) فإنها من الأضداد، وقد اجتهد فى توجيه أحد معنييها وهو دلالتها على قلّة الماء، ولكنها تدل على كثرته كذلك، فلو ترك ذلك بلا توجيه لانتقض كلامه.

وذلك أن المكلة هى أول ما يستقى من جمّة البئر، وهى كذلك الشئ القليل من الماء يبقى فى البئر أو الإناء فهى على ذلك من الأضداد، قاله فى اللسان. وقال: ومكل: كنكد وممكلة وممكولة: كل ذلك التى قد نزح ماؤها. والمكل: اجتماع الماء فى البئر ... والمكولىّ: اللئيم واللسان: (مكل).

قلت: وإذا كان ابن جنى قد وجّه قلة الماء بأنه شدّة ظاهرة، فإننا نوجه كثرة الماء ووفرته، ونبوعه بحيث يكون أول ما يستقى من جمّة البئر، وكون المكل كذلك: اجتماع الماء فى البئر. أقول فإننا نوجه ذلك أيضا بما يفيد معنى القوّة والشدّة، إذ إن فى اجتماع الماء وفورانه ونبوعه وتدفقه شدّة وقوّة ظاهر.