فصل فى الحمل على المعنى
  فأفرد الضمير، مع قدرته على جمعه. وهذا يدلّك على قوّة اعتقادهم أحوال المواضع وكيف ما يقع فيها؛ ألا ترى أن الموضع موضع جمع، وقد تقدّم فى الأوّل لفظ الجمع فترك اللفظ وموجب الموضع إلى الإفراد؛ لأنه مما يؤلف فى هذا المكان.
  وقال سبحانه: {وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ}[الأنبياء: ٨٢] فحمل على المعنى، وقال: {بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: ١١٢] فأفرد على لفظ من ثم جمع من بعد، وقال عبيد:
  *فالقطّبيّات فالذنوب(١) *
  وإنما القطّبيّة ماء واحد معروف. وقال الفرزدق:
  فيا ليت دارى بالمدينة أصبحت ... بأجفار فلج أو بسيف الكواظم(٢)
  يريد الجفر وكاظمة. وقال جرير:
  بان الخليط برامتين فودّعوا ... أوكلّما ظعنوا لبين تجزع
  وإنما رامة أرض واحدة معروفة.
  واعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد تراجع اللفظ؛ كقولك: شكرت من أحسنوا إلىّ على فعله (ولو: قلت شكرت من أحسن إلىّ على فعلهم
(١) عجز البيت من مخلع البسيط، وهو لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ص ٢٣، وجمهرة اللغة ص ٢٨٤، وخزانة الأدب ٢/ ٢١٨، ولسان العرب (ذنب)، (لحب)، (رمل)، (هزل)، (قطم)، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٤٣٥، ولسان العرب (قطب)، وتاج العروس (قطب).
وصدره:
*أقفر من أهله ملحوب*
(٢) البيت من الطويل، وهو للفرزدق فى ديوانه ٢/ ٣٠٧، ولسان العرب (حفر)، (كظم)، وتاج العروس (حفر)، (كظم). ويروى: (باحفار) مكان (بأجفار). والكواظم يعنى كاظمة وما حولها. وكاظمة موضع على سيف البحر من البصرة على مرحلتين، وفيها ركايا كثيرة، وماؤها شروب. وفلج: واد بين البصرة وضريّة. والجفر: البئر الواسعة لم تطو. اللسان (كظم)، (فلج)، (جفر).