فصل فى الحمل على المعنى
  *ولو تعزّيت عنها أمّ عمّار(١) *
  ونحو ذلك؛ لأن هذا فعل مثبت، وليس محلّ ما يعمل فيه المعنى محلّ البدل.
  فلمّا اختلف هذان الوجهان من هذين الموضعين اعتددناهما قسمين اثنين.
  ومن ذلك قوله:
  لن تراها ولو تأمّلت إلا ... ولها فى مفارق الرأس طيبا(٢)
  وهذا هو الغريب من هذه الأبيات. ولعمرى إن الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متّصل بها. ففى ذلك شيئان:
  أحدهما أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها فليس لها طريق إلى الطيب فى مفارقها، اللهمّ إلا أن تكون حاسرة غير مقنّعة، وهذه بذلة وتطرّح لا توصف به الخفرات ولا المعشّقات؛ ألا ترى إلى قول كثير:
  وإنى لأسمو بالوصال إلى التى ... يكون سناء وصلها وازديارها
  ومن كانت من النساء هذه حالها فليست رذلة ولا مبتذلة. وبه وردت الأشعار القديمة والمولّدة؛ قال الطائى:
  عالى الهوى، ممّا يعذّب مهجتى ... أفرويّة الشّعف التى لم تسهل(٣)
  وهى طريق مهيع. وإذا كان كذلك وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب مفارقها وجب أن يكون الفعل المقدّر لنصب الطيب ممّا يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها؛ فكأنه قال: لن تراها إلا وتعلم لها أو تتحقق لها فى مفارق الرأس طيبا؛ غير أن سيبويه حمله على الرؤية. وينبغى أن يكون أراد: ما تدلّ عليه الرؤية من الفعل الذى قدّرناه.
  والآخر أن هذه الواو فى قوله: ولها كذا فى واو الحال وصارفة للكلام إلى
(١) سبق.
(٢) البيت من الخفيف، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات فى ملحق ديوانه ص ١٧٦، والكتاب ١/ ٢٨٥، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٦/ ٣٥، وشرح المفصل ١/ ١٢٥، ومغنى اللبيب ص ٦٠٧، والمقتضب ٣/ ٢٨٤.
(٣) الأروية: أنثى الوعول، وبها سميت المرأة. اللسان (روى) والشعف: رءوس الجبال.