تحريف الفعل
  خلا أنّ العتاق من المطايا ... أحسن به فهنّ إليه شوس(١)
  وهذا مشبّه بخفت وأردت. وحكى ابن الأعرابىّ فى ظننت ظنت. وهذا كله لا يقاس عليه؛ لا تقول فى شممت: شمت ولا شمت؛ ولا فى (أقضضت: أقضت).
  فأمّا قول أبى الحسن فى مثال اطمأنّ من الضرب: اضرببّ(٢)، وقول النحويين فيه: اضربّب فليس تحريفا، وإنما هذا عند كل واحد من القيلين هو الصواب.
  ومن تحريف الفعل ما جاء منه مقلوبا؛ كقولهم فى اضمحلّ: امضحلّ، وفى أطيب: أيطب، وفى اكفهرّ: اكرهفّ، وما كان مثله. فأمّا جذب وجبذ فأصلان؛ لأن كل واحد منهما متصرّف وذو مصدر؛ كقولك: جذب يجذب جذبا وهو جاذب، وجبذ يجبذ جبذا وهو جابذ، وفلان مجبوذ ومجذوب (فإذا) تصرّفا هكذا لم يكن أحدهما بأن يكون أصلا لصاحبه أولى من أن يكون صاحبه أصلا له.
  وأمّا قولهم: أيس فمقلوب من يئس. ودليل ذلك من وجهين.
  أحدهما (أن لا مصدر) لقولهم: أيس. فأما الإياس فمصدر أست. قال أبو علىّ: وسمّوا الرجل إياسا؛ كما سمّوه عطاء؛ لأن أست: أعطيت. ومثله - عندى - تسميتهم إياه عياضا، فلمّا لم يكن لأيس مصدر علمت أنه لا أصل له، وإنما المصدر اليأس. فهذا من يئست.
  والآخر صحّة العين فى أيس، ولو لم يكن مقلوبا لوجب فيه إعلالها، وأن يقال: آس واست كهاب وهبت، وكان يلزم فى مضارعه أواس كأهاب، فتقلب
(١) البيت من الوافر، وهو لأبى زبيد الطائى فى ديوانه ص ٩٦، وسمط اللآلى ص ٤٣٨، ولسان العرب (حسس)، (حسا)، والمحتسب ١/ ١٢٣، ٢٦٩، ٢/ ٧٦، والمنصف ٣/ ٨٤، وتاج العروس (حسا)، وبلا نسبة فى الإنصاف ١/ ٢٧٣، وشرح المفصل ١٠/ ١٥٤، ولسان العرب (مسس)، ومجالس ثعلب ٢/ ٤٨٦، والمقتضب ١/ ٢٤٥. والشوس: واحده أشوس وشوساء من الشوس وهو النظر بمؤخر العين تكبرا أو تغيظا.
(٢) أصل اطمأنّ اطمأنن. فإذا أريد مثالها من الضرب، فالنحويون يراعون أصل الزنة، فيقولون: اضربّب بتشديد الباء الأولى، والأخفش يراعى ما عرض لاطمأنن من الإدغام ونقل الحركة، فيفعل كذلك فى مثاله من الضرب فيقول: اضرببّ بتشديد الباء الثانية ليكون كاطمأنّ. وانظر شرح الرضى للشافية ٣/ ٢٩٨.