الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول

صفحة 222 - الجزء 2

  الواو. لكنها عندنا على بابها فى كونها شكّا. وذلك أن هذا كلام خرج حكاية من الله ø لقول المخلوقين. وتأويله عند أهل النظر: وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.

  ومثله مما مخرجه منه تعالى على الحكاية قوله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}⁣[الدخان: ٤٩] وإنما هو فى الحقيقة الذليل المهان، لكن معناه: ذق إنك أنت الذى كان يقال له: العزيز الكريم. ومثله قوله ø {وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ}⁣[الزخرف: ٤٩] أى يا أيها الساحر عندهم لا عندنا؛ (وكيف) يكون ساحرا عندهم وهم به مهتدون. وكذلك قوله {أَيْنَ شُرَكائِيَ}⁣[النحل: ٢٧، الكهف: ٥٢] أى شركائى عندكم. وأنشدنا أبو علىّ لبعض اليمانية يهجو جريرا:

  أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها ... أنّى الأغرّ وأنّى زهرة اليمن

  قال: فأجابه جرير، فقال:

  ألم تكن فى وسوم قد وسمت بها ... من حان موعظة يا زهرة اليمن!⁣(⁣١)

  فسماه زهرة اليمن متابعة له، وحكاية للفظه. وقد تقدّم القول على هذا الموضع.

  ومن ذلك ما يدعيه الكوفيون من زيادة واو العطف؛ نحو قول الله ø {حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها}⁣[الزمر: ٧٣] (قالوا: الواو هنا زائدة مخرجة عن العطف. والتقدير عندهم فيها: حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها). وزيادة الواو أمر لا يثبته البصريون. لكنه عندنا على حذف الجواب، أى حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها كذا وكذا صدقوا وعدهم، وطابت نفوسهم، ونحو ذلك مما يقال فى مثل هذا.

  وأجاز أبو الحسن زيادة الواو فى خبر كان؛ نحو قولهم: كان ولا مال له، أى كان لا مال له. ووجه جوازه عندى شبه خبر كان بالحال، فجرى مجرى قولهم: جاءنى ولا ثوب عليه، أى جاءنى عاريا.


(١) حان: أى هلك.