الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى التغييرين يعترضان فى المثال الواحد

صفحة 259 - الجزء 2

  تضطرّ إلى تركه لغيره.

  وكذلك أيضا يكون هذان الجوابان إن اعتقدت فى عين وؤى أنك أبدلتها إبدالا ولم تخففها تخفيفا: القول فى الموضعين واحد. ولكن لو ارتجلت هذا المثال من وأيت على ما تقدم فصرت منه إلى وؤى، ثم همزت الواو التى هى الفاء همزا مختارا لا مضطرّا إليه، لكن على قولك فى وجوه: أجوه، وفى وقّتت: أقتت، لصرت إلى أؤى فوجب إبدال الثانية واوا خالصة؛ فإذا خلصت كما ترى لما تعلم وجب إبدالها للياء بعدها، فقلت: أىّ لا غير. فهذا وجه آخر من العمل غير جميع ما تقدّم.

  فإن قلت: فهلا استدللت بقولهم فى مثال فعولّ من القوّة: قيّوّ على أن التغيير إذا وجب فى الجهتين فينبغى أن يبدأ بالأوّل منهما، ألا ترى أن أصل هذا قوّوّ، فبدأ بتغيير الأوليين فقال: قيّوّ، ولم يغير الأخريين فيقول: قوّىّ؟

  قيل: هذا اعتبار فاسد. وذلك أنه لو بدأ فغيّر من الآخر لما وجد بدّا من أن يغير الأوّل أيضا؛ (لأنه لو أبدال الآخر فصار إلى قوّىّ للزمه أن يبدل الأوّل أيضا) فيقول: قيّىّ، فتجتمع له أربع ياءات، فيلزمه أن يحرّك الأولى لتنقلب الثانية ألفا، فتنقلب واوا، فتختلف الحروف، فتقول: قووىّ، فتصير من عمل إلى عمل، ومن صنعة إلى صنعة. وهو مكفىّ ذلك وغير محوج إليه. وإنما كان يجب عليه أيضا تغيير الأوليين لأنهما ليستا عينين فتصحّا؛ كبنائك فعّلا من قلت: قوّل، وإنما هما عين وواو زائدة.

  ولو قيل لك: ابن مثل خروع من قلت لما قلت إلا قيّل؛ لأن واو فعول لا يجب أن يكون أبدا من لفظ العين؛ ألا ترى إلى خروع وبروع اسم ناقة، فقد روى بكسر الفاء، وإلى جدول، فقد رويناه عن قطرب بكسر الجيم. وكل ذلك لفظ عينه مخالف لواوه، وليست كذلك العينان؛ لأنهما لا يكونان أبدا إلا من لفظ واحد، فإحداهما تقوّى صاحبتها، وتنهض منّتها⁣(⁣١).

  فإن قلت: فإذا كنت تفصل بين العينين، وبين العين والزائد بعدها، فكيف تبنى


(١) المنة: القوة.