الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم

صفحة 268 - الجزء 2

  وقوله:

  أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد⁣(⁣١)

  وقوله:

  قالت له النفس تقدّم راشدا ... إنك لا ترجع إلا حامدا⁣(⁣٢)

  وقوله:

  قالت له النفس إنى لا أرى طمعا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد

  وأمثال هذا كثيرة جدّا (وجميع هذا) يدلّ على أن نفس الشئ عندهم غير الشئ.

  فإن قلت: فقد تقول: هذا أخو غلامه وهذه (جارية بنتها)، فتعرّف الأوّل بما أضيف إلى ضميره، والذى أضيف إلى ضمير (فإنما يعرف) بذلك الضمير، ونفس المضاف الأوّل متعرّف بالمضاف إلى ضميره، فقد ترى على هذا أن التعريف الذى استقرّ فى (جارية) من قولك هذه (جارية بنتها) إنما أتاها من قبل ضميرها، وضميرها هو هى؛ فقد آل الأمر إذا إلى أن الشئ قد يعرّف نفسه، وهذا خلاف ما ركبته، وأعطيت يدك به.

  قيل: كيف تصرّفت الحال فالجارية إنما تصرّفت بالبنت (التى هى) غيرها، وهذا شرط التعريف من جهة الإضافة. فأمّا ذلك المضاف إليه أمضاف هو أم غير مضاف فغير قادح فيما مضى. والتعريف الذى أفاده ضمير الأوّل لم يعرّف الأوّل، وإنما عرّف ما عرّف الأوّل. والذى عرّف الأوّل غير الأوّل، فقد استمرّت الصفة وسقطت المعارضة.

  ويؤكّد ذلك أيضا أن الإضافة فى الكلام على ضربين: أحدهما ضمّ الاسم إلى اسم هو غيره بمعنى اللام؛ نحو غلام زيد وصاحب بكر. والآخر ضمّ اسم إلى اسم هو بعضه بمعنى من، نحو هذا ثوب خزّ، وهذه جبة صوف؛ وكلاهما ليس الثانى فيه بالأوّل؛ ألا ترى أن الغلام ليس بزيد، وأن الثوب ليس بجميع الخزّ،


(١) البيت من البسيط، وهو لأعرابى فى خزانة الأدب ٤/ ٣١٢، ٦/ ٣٦١، وشرح المفصل ٣/ ١٠.

(٢) الرجز لأبى النجم فى لسان العرب (قول)، وأساس البلاغة (قول)، وتاج العروس (قول).