الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 82 - الجزء 1

  ألا تراه أن لو كان ساكنا لزمه أن يدخل عليه من أوّله همزة الوصل، ليجد سبيلا إلى النطق به، نحو «اب، اص، اق» وكذلك إن كان متحركا فأراد الابتداء به والوقوف عليه قال فى النطق بالباء من بكر: به، وفى الصاد من صلة: صه، وفى القاف من قدرة: قه؛ فقد علمت بذلك أن لا سبيل إلى النطق بالحرف الواحد مجرّدا من غيره، ساكنا كان، أو متحركا. فالكلام إذا من بيت كثيّر إنما يعنى به المفيد من هذه الألفاظ، القائم برأسه المتجاوز لما لا يفيد ولا يقوم برأسه من جنسه؛ ألا ترى إلى قول الآخر:

  ولمّا قضينا من منى كل حاجة ... ومسّح بالأركان من هو ماسح

  أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطىّ الأباطح⁣(⁣١)

  فقوله بأطراف الأحاديث يعلم منه أنه لا يكون إلا جملا كثيرة⁣(⁣٢)، فضلا عن الجملة الواحدة، فإن قلت: فقد قال الشنفرى:

  كأنّ لها فى الأرض نسيا تقصّه ... على أمّها وإن تخاطبك تبلّت⁣(⁣٣)


(١) البيتان من الطويل، وهما لكثير عزة فى ملحق ديوانه ص ٥٢٥، وزهر الآداب ص ٣٤٩، وللمضرب عقبة بن كعب بن زهير فى الحماسة البصرية ٢/ ١٠٣، وبلا نسبة فى لسان العرب (طرف)، وأمالى المرتضى ٢/ ٣٥٩، والشعر والشعراء ص ٧٢، ومعجم البلدان ٥/ ١٩٨ (منى)، وأساس البلاغة ص ٢٢٧ (سيل)، وتاج العروس (طرف).

(٢) قلت: وهذه الجمل الكثيرة التى أبدع الشاعر فى التعبير عرضها فى هذه اللفظة قد أشار إليها عبد القاهر فى دلائل الإعجاز حيث أشار إلى أنه شمل بذلك ما يكون بين أولئك الحجيج من ذكريات تلك المشاعر والمناسك، وتنسم رائحة الديار والأوطان، والتشوق إلى رؤيا الأهل والخلان، وما يكون من الترحاب والتهانى وغير ذلك مما تستدعيه تلك الحال. فدلّ باللفظ الموجز على المعانى الكثيرة البديعة، وهذا من بلاغة الإيجاز.

(٣) البيت من الطويل، وهو للشنفرى فى ديوانه ص ٣٣، ولسان العرب (بلت)، (نسا)، وجمهرة اللغة ص ٢٥٦، ومقاييس اللغة ١/ ٢٩٥، ٥/ ٤٢٢، ومجمل اللغة ١/ ٢٨٩، والمخصص ١٤/ ٢٧، وتهذيب اللغة ١٣/ ٨١، ١٤/ ٢٩٣، ٢٩٤، وأدب الكاتب ص ٤٩٣، والأغانى ٢١/ ٢١٠، وديوان المفضّليّات ص ٢٠١، وشرح اختيارات المفضل ١/ ٥١٧، وشرح أدب الكاتب ص ٣٣٨، والكامل ص ١٠١٨، وتاج العروس (بلت)، (نسى)، وبلا نسبة فى ديوان الأدب ٢/ ١٤٦. النسى: الشئ المنسى الذى لا يذكر، وتقصه: تتبع أثره لتجده، وعلى أمّها (بفتح الهمزة) =