الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 83 - الجزء 1

  أى تقطّع كلامها، ولا تكثّره؛ كما قال ذو الرمّة:

  لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشى، لا هراء ولا نزر⁣(⁣١)

  فقوله: رخيم الحواشى: أى مختصر⁣(⁣٢) الأطراف، وهذا ضدّ الهذر والإكثار، وذاهب فى التخفيف والاختصار، قيل: فقد قال أيضا: ولا نزر؛ وأيضا فلسنا ندفع أنّ الخفر يقلّ معه الكلام، ويحذف فيه أحناء المقال، إلا أنه على كل حال لا يكون ما يجرى منه وإن قلّ ونزر أقلّ من الجمل، التى هى قواعد الحديث، الذى يشوق موقعه، ويروق مستمعه. وقد أكثرت الشعراء فى هذا الموضع، حتى صار الدالّ عليه كالدالّ على المشاهد غير المشكوك فيه؛ ألا ترى إلى قوله:

  وحديثها كالغيث يسمعه ... راعى سنين تتابعت جدبا!

  فأصاخ يرجو أن يكون حيا ... ويقول من فرح: هيا ربّا!⁣(⁣٣)


= أى على سمتها وجهة قصدها، وقوله إن تخاطبك، يروى: إن تحدثك، وتبلت - بكسر اللام - أى تقطع الكلام من الحياء، وروى تبلت - بفتح اللام - أى تنقطع وتسكت. يريد شدة استحيائها فهى لا ترفع رأسها كأنها تطلب شيئا فى الأرض، والبيت من قصيدة مفضلية. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى ٢٠١، وانظر الكامل بتحقيقى ط دار الكتب العلمية.

(١) البيت من الطويل، وهو لذى الرّمة فى ديوانه ص ٥٧٧، وجمهرة اللغة ص ١١٠٦، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٣، وشرح شواهد الشافية ص ٤٩١، وشرح المفصل ١/ ١٦، ولسان العرب (هرأ)، (نزر)، والمحتسب ١/ ٣٣٤، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٨٥، وبلا نسبة فى أساس البلاغة ص ٤٨٢ (هرأ) وتذكرة النحاة ص ٤٥، وشرح الأشمونى ٢/ ٤٦٧، وشرح شافية ابن الحاجب ٣/ ٢٥٥، وشرح ابن عقيل ص ٥٣٣، وشرح المفصل ٢/ ١٩.

(٢) كذا فسر ابن جنى «رخيم الحواشى» وكأنه ذهب بالترخيم إلى معناه فى النحو، وهو حذف آخر الكلمة ففهم منه معنى الاختصار. والمعروف فى رخامة الصوت لينه. ويقول شارح الديوان: «رخيم الحواشى: أى لين نواحى الكلام» وانظر الديوان المطبوع فى أوربة ٢١٢ (نجار). قلت: وما ذهب إليه ابن جنّى ليس ببعيد، ولعله أوجه، ويرشح له قوله بعده: لا هراء ولا نزر. وما أظن أن المعنى الذى ذكره الشيخ النجار قد خفى على ابن جنى، ولكنه قد اختار ما رآه أولى، أو اختار أحد الوجهين فى المعنى مما يصلح للاستشهاد لما هو بصدده.

(٣) الثانى منهما من الكامل، وهو بلا نسبة فى أمالى القالى ١/ ٨٤، والبيان والتبيين ١/ ٢٨٣، وشرح شواهد المغنى ص ٦٣، ولسان العرب (هيا)، ومغنى اللبيب ص ٢٠، وفى معجم شواهد النحو الشعرية (الرقم ٢٢٢) أنه ورد منسوبا للراعى فى ألف باء للبلوى ٢/ ٤٧٨، ولم أجده فى ديوانه.