الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تسمية الفعل

صفحة 285 - الجزء 2

  وعارضتها رهوا على متتابع ... شديد القصيرى خارجىّ محنب⁣(⁣١)

  والثالث ما فى ذلك من الإيجاز والاختصار، وذلك أنك تقول للواحد: صه، وللاثنين: صه و (للجماعة: صه)، وللمؤنث. ولو أردت المثال نفسه وجب فيه التثنية والجمع والتأنيث، وأن تقول: اسكتّا (واسكتوا) واسكتى واسكتن. وكذلك جميع الباب.

  فلمّا اجتمع فى تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن الإيجاز ومن المبالغة، عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها. ومع ذلك فإنهم أبعدوا أحوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه، لتناسيهم حروفه. يدلّ على ذلك أنك لا تقول: صه فتسلم؛ كما تقول: اسكت فتسلم، ولامه فتستريح، كما تقول: اكفف فتستريح. وذلك أنك إذا أجبت بالفاء فإنك إنما تنصب لتصوّرك فى الأوّل معنى المصدر، وإنما يصحّ ذلك لاستدلالك عليه بلفظ فعله؛ ألا تراك إذا قلت: زرنى فأكرمك، فإنك إنما نصبته، لأنك تصوّرت فيه: لتكن زيارة منك فإكرام منّى. ف (زرنى) دلّ على الزيارة، لأنه من لفظه، فدلّ الفعل على مصدره، كقولهم: من كذب كان شرّا له، أى كان الكذب؛ فأضمر الكذب لدلالة فعله - وهو كذب - عليه، وليس كذلك صه، لأنه ليس من الفعل فى قبيل ولا دبير⁣(⁣٢)، وإنما هو صوت أوقع موقع حروف الفعل، فإذا لم يكن صه فعلا ولا من لفظه قبح أن يستنبط منه معنى المصدر لبعده عنه.

  فإن قلت: فقد تقول: أين بيتك فأزورك، وكم مالك فأزيدك عليه، فتعطف بالفعل المنصوب وليس قبله فعل ولا مصدر، فما الفرق بين «ذلك وبين صه»؟

  قيل: هذا كلام محمول على معناه؛ ألا ترى أن قولك: «أين بيتك» قد دخله معنى أخبرنى، فكأنه قال: ليكن منك تعريف لى ومنّى زيارة لك.


(١) البيت من الطويل، وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص ٢٦، ولسان العرب (خرج)، ومقاييس اللغة ٤/ ٢٧٢، وكتاب الجيم ٢/ ٢٤، وتاج العروس (خرج)، (عض). الرهو من الأضداد، يكون السير السهل ويكون السريع، والمقصود هنا: السير السهل والقصيرى: ضلع الخلف. والمحنب: الذى فى ذراعه ما يشبه التحدّب.

(٢) أصل هذا المثل: ما يعرف قبيلا من دبير، والقبيل: القبل، والدبير: الدبر.