الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 84 - الجزء 1

  - يعنى حنين السحاب وسجره⁣(⁣١)، وهذا لا يكون عن نبرة واحدة، ولا رزمة مختلسة، إنما يكون مع البدء فيه والرّجع، وتثنّى الحنين على صفحات السمع - وقول ابن الرومى:

  وحديثها السحر الحلال لو انه ... لم يجن قتل المسلم المتحرّز

  إن طال لم يملل وإن هى أوجزت ... ودّ المحدّث أنها لم توجز

  شرك القلوب، وفتنة ما مثلها ... للمطمئنّ، وعقلة المستوفز

  فذكر أنها تطيل تارة، وتوجز أخرى، والإطالة والإيجاز جميعا إنما هما فى كل كلام مفيد مستقلّ بنفسه، ولو بلغ بها الإيجاز غايته لم يكن له بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته، مع أنه لا بدّ فيه من تركيب الجملة، فإن نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان، ولا استعذاب؛ ألا ترى إلى قوله:

  * قلنا لها قفى لنا قالت قاف⁣(⁣٢) *

  وأنّ هذا القدر من النطق لا يعذب، ولا يجفو، ولا يرقّ، ولا ينبو، وأنه إنما يكون استحسان القول واستقباحه فيما يحتمل ذينك، يؤدّيهما إلى السمع، وهو أقلّ ما يكون جملة مركّبة. وكذلك قول الآخر - فيما حكاه سيبويه -: «ألا تا» فيقول مجيبه: «بلى فا». فهذا ونحوه مما يقلّ لفظه، فلا يحمل حسنا ولا قبحا؛ ولا طيبا. ولا خبثا. لكن قول الآخر «مالك بن أسماء»:

  أذكر من جارتى ومجلسها ... طرائفا من حديثها الحسن


(١) السجر فى الأصل: صوت الناقة إذا مدّت حنينها فى إثر ولدها. وقد يستعمل فى صوت الرعد، وهو المراد هنا.

(٢) من الرجز وهو للوليد بن عقبة بن أبى معيط. وكان عاملا لعثمان ¥ على الكوفة، فاتهم بشرب الخمر فأمر الخليفة بشخوصه إلى المدينة، وخرج فى ركب، فنزل الوليد يسوق بهم، فقال:

قلت لها: قفى، فقالت: قاف ... لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف

والنشوات من معتق صاف ... وعزف قينات علينا عزاف

كذا وجدناه فى شواهد الشافية ٢٧١ والأغانى ١٣١/ ٥ (فقالت) ورواية ابن جنى بغير الفاء. والبيت بلا نسبة فى لسان العرب (وقف)، وتهذيب اللغة ١٥/ ٦٧٩، وتاج العروس (سين).