باب فى أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده
  ومن ذلك أنهم قالوا: أبيض لياح. فقلبوا الواو التى فى تصريف لاح يلوح للكسرة قبلها، على ضعف ذلك؛ لأنه ليس جمعا كثياب، ولا مصدرا كقيام. وإنما استروح إلى قلب الواو ياء لما يعقب من الخفّ؛ كقولهم فى صوار البقر: صيار، وفى الصوان للتخت(١) صيان. (وكان) يجب على هذا أن متى زالت هذه الكسرة عن لام (لياح) أن تعود الواو. وقد قالوا مع هذا: أبيض لياح، فأقرّوا القلب بحاله، مع زوال ما كانوا سامحوا أنفسهم فى القلب به على ضعفه. ووجه التأوّل منهم فى هذا أن قالوا: لمّا لم يكن القلب مع الكسر عن وجوب واستحكام، وإنما ظاهره وباطنه العدول عن الواو إلى الياء هربا منها إليها، وطلبا لخفّتها، لم تراجع الواو لزوال الكسرة، إذ مثلها فى هذا الموضع فى غالب الأمر ساقط غير مؤثّر؛ نحو خوان وزوان(٢) وقوام وعواد مصدرى قاومت وعاودت، فمضينا على السمت فى الإقامة على الياء. أفلا ترى إلى ضعف حكم الكسرة فى (لياح) الذى كأن مثله قمنا بسقوطه لأدنى عارض يعرض له فينقضه، كيف صار سببا وداعيا إلى استمراره والتعدّى به إلى ما يعرى منه، والتعذر فى إقرار الحكم به. وهذا ظاهر.
  ومن ذلك أن الادغام يكون فى المعتل سببا للصحّة؛ نحو قولك فى فعّل من القول: قوّل، وعليه جاء اجلوّاذ. والادغام نفسه يكون فى الصحيح سببا للإعلال؛ ألا تراهم كيف جمعوا حرّة بالواو والنون فقالوا: إحرّون(٣)؛ لأن العين أعلّت بالادغام، فعوّضوا من ذلك الجمع بالواو والنون. وله نظائر. فاعرفه.
  * * *
(١) التخت: وعاء تصان فيه الثياب، فارسى، وقد تكلمت به العرب. اللسان (تخت).
(٢) الزّوان بضم الزاى وكسرها: حب يخالط البرّ، واحدته زوانة وزوانة. اللسان (زون).
(٣) الحرّة: أرض ذات حجارة سود نخرات كأنها أحرقت بالنّار. والجمع حرّات وحرار وزعم يونس أنهم يقولون حرّة وحرّون، وزعم يونس أيضا أنهم يقولون حرّة وإحرّون يعنى الحرار كأنه جمع إحرّة، وبها أنشد ثعلب. اللسان (حرر).