باب فى تركيب المذاهب
  مثال الفعل؛ فيقول: رأيت يريئى ويريّى، وأن يصرف فى الرفع والجر على مذهب سيبويه؛ حملا لذلك على صرف جوار.
  و (من ذلك) قول أبى عمر فى حرف التثنية: إن الألف حرف الإعراب ولا إعراب فيها، وهذا هو قول سيبويه. وكان يقول: إن انقلاب الألف إلى الياء هو الإعراب. وهذا هو قول الفرّاء، أفلا تراه كيف تركّب له فى التثنية مذهب ليس بواحد من المذهبين الآخرين.
  وقال أبو العباس فى قولهم: «أساء سمعا فأساء جابة»: إن أصلها إجابة، ثم كثر فجرى مجرى المثل، فحذفت همزته تخفيفا فصارت جابة. فقد تركّب الآن من قوله هذا وقولى أبى الحسن والخليل مذهب طريف. وذلك أن أصلها اجوابة، فنقلت الفتحة من العين إلى الفاء فسكنت العين (وألف إفعالة بعدها ساكنة فحذفت الألف على قول الخليل، والعين) على قول أبى الحسن، جريا على خلافهما المتعالم من مذهبيهما فى مقول ومبيع. فجابة على قول الخليل إذا ضامّه (قول أبى العباس) فعلة ساكنة العين، وعلى قول أبى الحسن إذا ضامّه قول أبى العباس فالة.
  (أفلا ترى) إلى هذا الذى أدّى إليه مذهب أبى العباس فى هذه اللفظة (وأنه قول) مركّب، ومذهب لو لا ما أبدعه فيه أبو العباس لكان غير هذا.
  وذلك أن الجابة - على الحقيقة - فعلة مفتوحة العين، جاءت على أفعل، بمنزلة أرزمت(١) السماء رزمة، وأجلب القوم جلبة. ويشهد أن الأمر كذا، لا كما ذهب إليه أبو العباس قولهم: أطعت طاعة، وأطقت طاقة. وليس واحدة منهما بمثل، ولا كثرت فتجرى مجرى المثل فتحذف همزتها؛ إلا أنه تركب من قول أبى العباس فيها إذا سيق على مذهبى الخليل وأبى الحسن ما قدّمناه: من كونها فعلة ساكنة العين (أو فالة) كما ترى. وكذا كثير من المذاهب التى هى مأخوذة من قولين، ومسوقة على أصلين: هذه حالها.
  * * *
(١) الرّزمة: الصوت الشديد، والإرزام: صوت الرّعد.