الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى السلب

صفحة 310 - الجزء 2

باب فى السلب

  نبّهنا أبو على | من هذا الموضع على ما أذكره وأبسطه؛ لتتعجب من حسن الصنعة فيه.

  اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذ من الفعل أو فيه معنى الفعل، فإن وضع ذلك فى كلامهم على إثبات معناه لا سلبهم إيّاه.

  وذلك قولك: قام، فهذا لإثبات القيام، وجلس لإثبات الجلوس، وينطلق لإثبات الانطلاق، وكذلك الانطلاق، ومنطلق: جميع ذلك وما كان مثله إنما هو لإثبات هذه المعانى لا لنفيها. ألا ترى أنك إذا أردت نفى شيء منها ألحقته حرف النفى فقلت: ما فعل، ولم يفعل، ولن يفعل (ولا تفعل) ونحو ذلك.

  ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال، ومن الأسماء الضامنة لمعانيها، فى سلب تلك المعانى لا إثباتها. ألا ترى أن تصريف (ع ج م) أين وقعت فى كلامهم إنما (هو للإبهام) وضدّ البيان. من ذلك العجم لأنهم لا يفصحون، وعجم⁣(⁣١) الزبيب ونحوه لاستتاره فى ذى العجم، ومنه عجمة الرمل لما استبهم منه على سالكيه فلم يتوجّه لهم. ومنه عجمت العود ونحوه إذا عضضته: لك فيه وجهان: إن شئت قلت: إنما ذلك لإدخالك إياه فى فيك وإخفائك له، وإن شئت قلت: (إن ذلك) لأنك لمّا عضضته ضغطت بعض ظاهر أجزائه (فغارت) فى المعجوم، فخفيت. ومن ذلك استعجمت الدار إذا لم تجب سائلها؛ قال:

  صمّ صداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل⁣(⁣٢)


(١) العجم، بالتحريك: النّوى نوى التمر والنّبق، الواحدة عجمة، وكلّ ما كان فى جوف مأكول كالزّبيب. اللسان (عجم).

(٢) البيت من السريع، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٢٥٥، ولسان العرب (صمم)، (عجم)، (صدى)، وتهذيب اللغة ١٢/ ١٢٦، ٢١٥، ومقاييس اللغة ٣/ ٣٤١، ٤/ ٢٤٠، وأساس البلاغة (عجم)، وكتاب العين ٧/ ١٣٩، وتاج العروس (صمم)، (عجم)، (صدى)، وبلا نسبة فى المخصص ١/ ٨٧، ١٣/ ٧.