الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى فك الصيغ

صفحة 343 - الجزء 2

  إلا أنك مع ذلك لا تغيّره؛ لأنه هو فواعل، وإنما حذفت الألف وهى فى تقدير الثبات. ودليل ذلك توالى حركاته كتوالى حركات علبط وبابه؛ فتقول فى تحقيره وتكسيره: عويرض، وعوارض. ومثله هداهد وهداهد، وقناقن وقناقن، وجوالق وجوالق. فإن حقّرت نحو عنتريس أو كسّرته حذفت نونه، فبقى فى التقدير عتريس. وليس فى الكلام شيء على فعليل، فيجب أن تعدله إلى أقرب الأشياء منه، فتصير إلى فعليل: عتريس، فتقول: عتيريس، وعتاريس. فإن حقّرت خنفقيقا حذفت القاف الأخيرة، فيبقى: خنفقى، وهذا فنعلى، وهو مثال غير معهود، فتحذف الياء، فيبقى خنفق: فنعل؛ كعنبس وعنسل، فتقول فيه: خنيفق، وخنافق. وعليه قول الراجز:

  * بنى عقيل ماذه الخنافق*

  وليس عنتريس كخنفقيق؛ لأنه رباعيّ، فلا بدّ من حذف نونه، وخنفقيق ثلاثىّ، فإحدى قافيه زائدة، فلذلك حذفت الثانية، وفيه شاهد لقول يونس فى أن الثانى من المكرّر هو الزائد.

  والذى يدلّ على أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفا راعت حال ما بقى منه، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقرّوه على صورته، وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم قول الشّماخ:

  حذاها من الصيداء نعلا طراقها ... حوامى الكراع المؤيدات العشاوز⁣(⁣١)

  ووجه الدلالة من ذلك أنه تكسير عشوزن، فحذف النون لشبهها بالزائد؛ كما حذفت الهمزة فى تحقير إسماعيل وإبراهيم لشبهها بالزائد فى قولهم: بريهيم وسميعيل، وإن كانت عندنا أصلا. فلمّا حذف النون بقى معه عشوز، وهذا مثال فعول، وليس من صور أبنيتهم، فعدله إلى عشوز، وهذا مثال فعول، ليلحق بجدول وقسور ثم كسّره فقال: عشاوز. والدليل على أنه قد نقله من عشوز إلى


(١) البيت من الطويل، وهو للشماخ فى ديوانه ص ١٩٣، ولسان العرب (حبر)، وأساس البلاغة (عوز)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٨١٨، والمقتضب ٣/ ٨١. والصيداء: الحصى. والحوامى: الحجارة. أى حذاها حرّة نعالها الصخور. البيت فى اللسان (صيد). العشاوز: الواحد عشوز: ما صلب مسلكه من طريق أو أرض.