الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى مطل الحروف

صفحة 354 - الجزء 2

  قدّمت قبلهما فى نحو بيت وسوط إنما قدمت الألف؛ إذ كانت الفتحة بعضها، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا فى موضع قد سبقتهما إليه الفتحة التى هى ألف صغيرة، فكان ذلك سببا للأنس بالمدّ، لا سيما وهما بعد الفتحة - لسكونهما - أختا الألف وقويّتا الشبه بها؛ فصار ثوب وشيخ نحوا من شاخ وثاب، فلذلك ساغ وقوع المدغم بعدهما. فاعرف ذلك.

  وأمّا مدّها عند التذكر فنحو قولك: أخواك ضربا، إذا كنت متذكّرا للمفعول به (أو الظرف أو نحو ذلك) أى ضربا زيدا ونحوه. وكذلك تمطل الواو إذا تذكّرت فى نحو ضربوا، إذا كنت تتذكر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك: أى ضربوا زيدا، أو ضربوا يوم الجمعة، أو ضربوا قياما فتتذكر الحال. وكذلك الياء فى نحو اضربى، أى اضربى زيدا ونحوه.

  وإنما مطلت ومدّت هذه الأحرف فى الوقف وعند التذكر، من قبل أنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكّنة المدّة، فقلت: ضربا وضربوا واضربى وما كانت هذه حاله وأنت مع ذلك متذكر لم (توجد فى) لفظك دليلا على أنك متذكّر شيئا، ولأوهمت كل الإيهام أنك قد أتممت كلامك ولم يبق من بعده مطلوب متوقّع لك؛ لكنك لمّا وقفت ومطلت الحرف علم بذلك أنك متطاول إلى كلام تال للأوّل منوط به، معقود ما قبله على تضمّنه وخلطه بجملته.

  ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللين هذه الثلاثة إذا وقف عليهنّ ضعفن، وتضاءلن، ولم يف مدّهنّ، وإذا وقعن بين الحرفين تمكّنّ، واعترض الصدى معهنّ. ولذلك قال أبو الحسن: إن الألف إذا وقعت بين الحرفين كان لها صدى.

  ويدلّ على ذلك أن العرب لمّا أرادت مطلهنّ للندبة وإطالة الصوت بهنّ فى الوقف، وعلمت أن السكوت عليهن ينتقصهنّ ولا يفى بهن، أتبعتهنّ الهاء فى الوقف؛ توفية لهنّ، وتطاولا إلى إطالتهنّ. وذلك قولك: وا زيداه، وا جعفراه.

  ولا بدّ من الهاء فى الوقف، فإن وصلت أسقطتها، وقام التابع غيرها فى إطالة الصوت مقامها. وذلك قولك: وا زيدا، وا عمراه. وكذلك أختاها. وذلك قولهم: وانقطاع ظهرهيه، ووا غلامكيه، ووا غلامهوه، ووا غلامهموه. وتقول فى الوصل: وا غلامهمو لقد كان كريما! وانقطاع ظهرهى من هذا الأمر!