باب فى مطل الحروف
  والمعنى الجامع بين التذكّر والندبة قوّة الحاجة إلى إطالة الصوت فى الموضعين.
  فلمّا كانت هذه حال هذه الأحرف، وكنت عند التذكّر كالناطق (بالحرف) المستذكر، صار كأنه هو ملفوظ به. فتمّت هذه الأحرف وإن وقعن أطرافا؛ كما يتممن إذا وقعن حشوا لا أواخر. فاعرف ذلك. (فهذه حال الأحرف الممطولة). وكذلك الحركات عند التذكّر يمطلن حتى يفين حروفا. فإذا صرنها جرين مجرى الحروف المبتدأة توامّ، فيمطلن أيضا حينئذ؛ كما تمطل الحروف. (وذلك) قولهم عند التذكر مع الفتحة فى قمت: قمتا، أى قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتى، أى أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو، فى قمت إلى زيد، ونحو ذلك.
  فإن كان الحرف الموقوف عليه ساكنا فعلى ضربين: (صحيح ومعتلّ). فالصحيح فى نحو هذا يكسر، لأنه لا يجرى الصوت فى الساكن، فإذا حرّك انبعث الصوت فى الحركة، ثم انتهى إلى الحرف، ثم أشبعت ذلك الحرف، ومطلته. وذلك قولك فى نحو قد - وأنت تريد قد قام ونحوه، إلا أنك تشكّ أو تتلوّم لرأى تراه من ترك المبادرة بما بعد ذلك -: قدى، وفى من: منى، وفى هل: هلى، وفى نعم: نعمى، أى نعم قد كان، أو نعم هو هو (أو نحوه) مما تستذكر أو (تراخى بذكره).
  وعليه تقول فى التذكّر إذا وقفت على لام التعريف: الى وأنت تريد: الغلام، أو الخليل، أو نحو ذلك.
  وإنما كانت حركة هذا ونحوه الكسرة دون أختيها، من قبل أنه ساكن قد احتيج إلى حركته، فجرت حركته إذا مجرى حركة التقاء الساكنين فى نحو: {قُلِ اللهُمَ}[آل عمران: ٢٦] و {قُمِ اللَّيْلَ}[المزمل: ٢] وعليه أطلق المجزوم والموقوف فى القوافى المطلقة إلى الكسر؛ نحو قوله:
  * وأنك مهما تأمرى القلب يفعل(١) *
(١) عجز البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٣، والدرر ٦/ ٣٠٨، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٣٨، وشرح شواهد المغنى ١/ ٢٠، وشرح قطر الندى ص ٨٥، والكتاب ٤/ ٢١٥، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢/ ٥٦، وسر صناعة الإعراب ٢/ ٥١٤، وشرح المفصل ٧/ ٤٣، وهمع الهوامع ٢/ ٢١١. وصدره:
* أغرك منى أن حبك قاتلى*