الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى هجوم الحركات على الحركات

صفحة 363 - الجزء 2

  وكذلك كسرة ضاد تقضين غير كسرتها المقدّرة فيها فى أصل حالها، وهو تقضين. والقول هنا هو ما تقدّم فى يدعون ويغزون.

  فهذا حكم الحركتين المتفقتين.

  وأما المختلفتان فأمرهما واضح. وذلك نحو يرمون ويقضون. والأصل: يرميون ويقضيون، فأسكنت الياء استثقالا للضمّة عليها، ونقلت إلى ما قبلها فابتزّته كسرته؛ لطروئها عليها؛ فصار: يرمون ويقضون. وكذلك قولهم: أنت تغزين، أصله تغزوين، فنقلت الكسرة من الواو إلى الزاى، فابتزّتها ضمتها فصار: تغزين.

  إلا أن منهم من يشمّ الضمّة إرادة للضمّة المقدّرة، ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشمّ. ويدلّك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزّتين عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا ضمّوا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما؛ وذلك كقولهم: اقضوا، ابنوا، وقولهم: أغزى، ادعى. فكسرهم مع ضمة الثالث، وضمّهم مع كسرته يدلّ على قوّة مراعاتهم للأصل المغيّر، وأنه عندهم مراعى معتدّ مقدّر.

  ومن المتّفقة حركاته ما كانت فيه الفتحتان؛ نحو اسم المفعول من نحو اشتدّ واحمرّ، وذلك قولهم: مشتدّ ومحمرّ، من قولك: هذا رجل مشتدّ عليه، وهذا مكان محمرّ فيه (وأصله مشتدد ومحمرر) فأسكنت الدال والراء الأوليان، وادّغمتا فى مثلهما من بعدهما، ولم ننقل الحركة إلى ما قبلها، فتغلبه على حركته التى فيه؛ كما تغلب فى يغزون ويرمين. يدل على أنك لم تنقل الحركة هنا كما نقلتها هناك قولهم فى اسم الفاعل أيضا كذلك، وهو (مشتدّ ومحمرّ؛ ألا ترى أنّ أصله) مشتدد ومحمرر. فلو نقلت هذا لوجب أن تقول: مشتدّ ومحمرّ. فلمّا لم تقل ذلك وصحّ فى المختلفين اللذين النقل فيهما موجود لفظا، امتنعت من الحكم به فيما تحصل الصنعة فيه تقديرا ووهما. وسبب ترك النقل فى المفتوح انفراد الفتح عن الضمّ والكسر فى هذا النحو؛ لزوال الضرورة فيه ومعه؛ ألا ترى إلى صحّة الياء والواو جميعا بعد الفتحة، وتعذّر الياء الساكنة بعد الضمّة، والواو الساكنة بعد الكسرة. وذلك أنك لو حذفت الضمة فى يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى يرمون، ثم وجب قلب الواو ياء، وأن تقول: هم يرمين، فتصير إلى لفظ جماعة المؤنث. وكذلك لو لم تنقل كسرة الواو فى تغزوين إلى الزاى لصار