باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة
  تقلب همزة فى نحو قول جرير:
  فيوما يجازين الهوى غير ماضى ... ويوما ترى منهن غولا تغوّل(١)
  وكذلك لو كانت الواو إنما انقلبت فى صبية وقنية وصبيان ولياح للكسرة قبلها، لوجب إذا زالت الكسرة أن تعود الواو، فتقول: صبوة وصبوان، وقنوة ولواح؛ لزوال الكسرة.
  والجواب عن هذا وغيره مما هذه حاله أن العلّة فى قلب هذه الأشياء هو ما ذكره القوم: من وقوع الكسرة قبلها؛ لأشياء.
  منها أن أكثر اللغة وشائع الاستعمال هو إعادة الواو عند زوال الكسرة. وذلك قولهم: موازين، ومواعيد، وقولهم فى ريح: أرواح، وفى قيل: أقوال، وفى ميثاق: مواثيق، وفى ديوان: دواوين. فأما مياثق ودياوين فإنه لمّا كثر عندهم واطّرد فى الواحد القلب، وكانوا كثيرا ما يحملون الجمع على حكم الواحد وإن لم يستوف الجمع جميع أحكام الواحد؛ نحو ديمة وديم، وقيمة وقيم، صار الأثر فى الواحد كأنه ليس عندهم مسببا عن أمر، ومعرّضا لانتقاله بانتقاله، بل تجاوزوا به ذلك، وطغوا به إلى ما وراءه، حتى صار الحرف المقلوب إليه لتمكّنه فى القلب كأنه أصل فى موضعه، وغير مسبّب عندهم عن علّة، فمعرّض لانتقاله بانتقالها، حتى أجروا ياء ميثاق مجرى الياء الأصلية؛ وذلك كبنائك من اليسر مفعالا، وتكسيرك إياه على مفاعيل؛ كميسار ومياسير، فمكّنوا قدم الياء فى ميثاق؛ أنسا بها، واسترواحا إليها، ودلالة على تقبّل الموضع لها.
  وكذلك - عندى - قياس تحقيره على هذه اللغة أن تقول: مييثيق.
  ومنها أن الغرض فى هذا القلب إنما هو طلب للخفّة؛ فمتى وجدوا طريقا أو شبهة فى الإقامة عليها، والتعلّل بخفتها سلكوها، واهتبلوها. وليس غرضهم وإن
(١) البيت من الطويل، وهو لجرير فى ديوانه ص ١٤٠، وخزانة الأدب ٨/ ٣٥٨، وشرح الأشمونى ١/ ٤٤، وشرح المفصل ١٠/ ١٠١، والكتاب ٣/ ٣١٤، ولسان العرب (غول)، (مضى)، والمقاصد النحوية ١/ ٢٢٧، والمقتضب ١/ ١٤٤، والمنصف ٢/ ١١٤، ونوادر أبى زيد ص ٢٠٣، وتاج العروس (غول)، (مضى)، وبلا نسبة فى شرح المفصل ١٠/ ١٠٤، والمقتضب ٣/ ٣٥٤، والممتع فى التصريف ٢/ ٥٥٦، والمنصف ٢/ ٨٠. ويروى: (يوافينى) مكان (يجاذين).