باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة
  كان قلبها مسببا عن الكسرة أن يتناهوا فى إعلامنا ذلك بأن يعيدوها واوا مع زوالها. وإنما غالب الأمر ومجموع الغرض القلب لها؛ لما يعقب من الاسترواح إلى انقلابها. فكأنّهم قنّعوا أنفسهم بتصوّر القلب فى الواحد لمّا انتقلوا عنه إلى الجمع؛ ملاحظة لأحواله، ومحافظة على أحكامه، واسترواحا إلى خفّة المقلوب إليه، ودلالة على تمكّن القلب فى الواحد، حتى ألحقوه بما أصله الياء.
  وعندى مثل يوضّح (الحال فى) إقرار الحكم مع زوال العلّة، على قلّة ذلك فى (الكلام)، وكثرة ضدّه فى الاستعمال. وهو العود تقطعه من شجرته غضا رطيبا، فيقيم على ذلك زمانا، ثم يعرض له فيما بعد من الجفوف واليبس ما يعرض لما هذه سبيله، فإذا استقرّ على ذلك اليبس وتمكّن فيه (حتى ينخر) لم يغن عنه فيما بعد أن تعيده إلى قعر البحر فيقيم فيه مائة عام؛ لأنه قد كان بعد عن الرطوبة بعدا أوغل فيه، حتى أيأس من معاودته البتّة إليها.
  فهذه حال إقرار الحكم مع زوال العلّة، وهو الأقلّ فى كلامهم. وعلى طرف من الملامحة له قول الله ø: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}[يونس: ٩١].
  ومنها أنهم قد قلبوا الواو ياء قلبا صريحا لا عن علّة مؤثّرة أكثر من الاستخفاف؛ نحو قولهم: رجل غديان، وعشيان، والأريحيّة، ورياح، ولا كسرة هناك، ولا اعتقاد كسرة فيه قد كانت فى واحده، لأنه ليس جمعا فيحتذى به ويقتاس به على حكم واحده. وكذلك قول الآخر:
  * جول التراب فهو جيلانىّ(١) *
  فإذا جنحوا إلى الياء هذا الجنوح العارى من السبب المؤثّر سوى ما فيه من الاسترواح إليه، كان قلب الأثقل إلى الأخفّ وبقاؤه على ذلك لضرب من التأوّل أولى وأجدر.
(١) الرجز للعجاج فى ديوانه ١/ ٤٨٦، وجمهرة اللغة ص ٤٩٣، وتاج العروس (٢٣/ ١٩١ (خرف) وقبله:
جرّ السحاب فوقه الخرفى ... ومردفات المزن والصيفى
ويروى: (جولانى) مكان (جيلانى). جول التراب: انتشاره. يوم جيلانىّ وجولانىّ: كثير التراب والريح.